متفق عليه.
146- (7) وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخطب فحمد الله، ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية))
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه. ومعنى "فليس مني" أي ليس علىطريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذي ابتدعوا التشديد كما سيأتي، وقد عابهم الله بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس، وتكثير النسل. (متفق عليه) أخرجاه في النكاح، واللفظ للبخاري إلا قوله: "أصوم النهار أبداً" وأخرجه أيضاً النسائي في النكاح، وأما ما ذكره الرافعي واشتهر على الألسنة بلفظ "النكاح من سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني" فلم أجده مع الاستقراء التام والتتبع البالغ. والله أعلم.
146- قوله: (صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً) الظاهر أن الشيء المرخص فيه ما ذكر في حديث أنس من النوم بالليل والأكل بالنهار أي الإفطار في بعض الأيام في غير رمضان، والتزوج بالنساء، وفي حديث عائشة عند مسلم من غسل الجنابة بعد طلوع الفجر في رمضان. (فرخص) أي للناس (فيه) أي في ذلك الصنع أو من أجله (فتنزه) أي تباعد وتحرز (عنه) أي عن ذلك الصنع (قوم) لم يعرف الحافظ القوم بأعيانهم. وقيل الظاهر أنهم هم المذكورون فيما تقدم. (فبلغ ذلك) أي تنزههم (فخطب) أي أراد أن يخطب، ويمكن أن يكون قوله: (فحمد الله ... ) إلخ تفسيراً لما قبله (ثم قال) أي في أثناء خطبته (ما بال أقوام) استفهام إنكاري بمعنى التوبيخ، أي ما حالهم؟ (يتنزهون) صفة وقع موقع الحال (أصنعه) حال من الشيء، و"أل" فيه للعهد الذكري السابق في قوله: "شيئاً" وقيل: اللام في الشيء للجنس، و"أصنعه" صفته. (فوالله إني لأعلمهم بالله) أي بعذاب الله وغضبه، يعني أنا أفعل شيئاً من المباحات وهم يحترزون عنه، فإن احترزوا لخوف عذاب الله، فأنا أعلم بقدر عذاب الله تعالى منهم، فأنا أولى أن أحترز عنه. (وأشدهم له خشية) إشارة إلى القوة العملية، وقوله: "أعلمهم بالله" إشارة إلى القوة العلمية، أي إنهم توهموا أن رغبتهم عما أفعل أقرب لهم عند الله، وأن فعلي خلاف ذلك. وليس كما توهموا إذ هو أعلمهم بالقربة وأولاهم بالعمل بها، فمهما فعله - صلى الله عليه وسلم - من عزيمة ورخصة فهو فيه في غاية التقوى والخشية، لم يحمله التفضل بالمغفرة على ترك الجلد في العمل قياماً بالشكر، ومهما ترخص فيه فإنما هو للإعانة على العزيمة ليعملها بنشاط. وفي الحديث ذم التعمق والتنزه عن المباح شكاً في إباحته، وفيه الحث على الإقتداء به - صلى الله عليه وسلم - وأن الخير في الاتباع، سواء كان ذلك في العزيمة أو الرخصة، فإن استعمال الرخصة بقصد الاتباع في المحل الذي وردت