وإذا خاصم فجر)) ، متفق عليه.
57- (9) وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المنافق كالشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة)) ، رواه مسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا خاصم فجر) أي في خصومته، أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب. قال أهل اللغة: أصل الفجور الميل عن القصد. وقال القاري: أي شتم ورمى بالأشياء القبيحة. فإن قيل: ظاهر الحديث المتقدم يقتضي الحصر في ثلاث، فكيف جاء في هذا الحديث أربع، أجاب القرطبي باحتمال أنه استجد له - صلى الله عليه وسلم - من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده. وأجيب أيضاً بأن في رواية لمسلم ما يدل على عدم الحصر، فإن لفظها: ((من علامة المنافق ثلاث)) ، فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت وبعضها في وقت آخر. وقيل: التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد، وقد تحصل من الحديثين خمس خصال، الثلاثة السابقة في الأول، والغدر في المعاهدة، والفجور في الخصومة، فهي متغايرة باعتبار تغاير الأوصاف واللوازم. ووجه الحصر فيها أن إظهار خلاف ما في الباطن إما في الماليات وهو ما إذا أؤتمن، وإما في غيرها، وهو إما في حالة الكدورة فهو إذا خاصم، وإما في حالة الصفاء، فهو إما مؤكد باليمين فهو إذا عاهد، أو لا فهو إما بالنظر إلى المستقبل فهو إذا وعد، وإما بالنظر إلى الحال فهو إذا حدث، لكن هذه الخمسة في الحقيقة ترجع إلى الثلاث؛ لأن الغدر بالعهد منطوٍ تحت الخيانة في الأمانة، والفجور في الخصومة داخل تحت الكذب في الحديث، كذا في شرح القسطلاني (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي، والنسائي، وأبوداود.
57-قوله: (كالشاة العائرة) أي المترددة (بين الغنمين) أي قطيعين وثلثين من الغنم لا تدري أيهما تتبع، فإن الغنم اسم جنس يقع على الواحد والجمع. وقال السندهي: الغنم جمع، ففي الحديث تثنية الجمع بتأويله بالجماعة. نقل السيوطي عن الزمخشري أنه قال في المفصل: قد يثنى الجمع على تأويل الجماعتين والفرقتين، ومنه هذا الحديث - انتهى. والعائرة هي التي تطلب الفحل فتردد بين قطيعين ولا تستقر مع أحداًهما، والمنافق مع المؤمنين بظاهره ومع المشركين بباطنه، تبعاً لهواه وغرضه الفاسد، وميلاً إلى ما يتبعه من شهواته، فصار بمنزلة تلك الشاة، وبذلك وصفهم الله تعالى في قوله: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [4:143] ، قال الطيبي: وخص الشاة العائرة بالذكر إيماءً بمعنى سلب الرجولية عن المنافقين من طلب الفحل للضراب (تعير) بفتح أوله، أي تردد وتذهب، من عار الفرس عياراً انفلت وذهب هنا وهنا من مرجه (إلى هذه) أي القطيعة (مرة وإلى هذه) أي القطيعة الأخرى (مرة) أخرى ليضربها فحلها، فلا ثبات لها على حالة واحدة، وإنما هي أسير شهوتها (رواه مسلم) في صفات المنافقين قبل صفة القيامة من أواخر صحيحه، وأخرجه أيضاً أحمد، والنسائي، وزاد: ((لا تدري أيهما تتبع)) .