-[529]- 2468 - (إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا) أي أكثركم حسن خلق وهو اختيار الفضائل وترك الرذائل وذلك لأن حسن الخلق يحمل على التنزه عن الذنوب والعيوب والتحلي بمكارم الأخلاق من الصدق في المقال والتلطف في الأحوال والأفعال وحسن المعاملة مع الرحمن والعشرة مع الإخوان وطلاقة الوجه وصلة الرحم والسخاء والشجاعة وغير ذلك من الكمالات ومفهوم الحديث أن من أبغضهم إليه أسوأهم أخلاقا وبنحوه صرح في رواية الترمذي بزيادة ولفظه عن جابر إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون
(خ عن ابن عمر) بن العاص
2469 - (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه (إكرام ذي) أي صاحب (الشيبة المسلم) أي تعظيم الشيخ الكبير صاحب الشيبة البيضاء الذي عمره في الإيمان وتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه (وحامل القرآن) أي قارئه (غير الغالي فيه) أي غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه (والجافي عنه) أي التارك له البعيد عن تلاوته والعمل بما فيه (وإكرام ذي السلطان) أي سلطان لأنه ذي قهر وغلبة من السلاطة وهي التمكن من القهر قال الله تعالى {ولو شاء الله لسلطهم عليكم} ومنه سمي السلطان وقيل ذي حجة لأنه يقام به الحجج (المقسط) بضم الميم العادل في حكمه بين رعيته قال ابن الأثير: وقيد بقوله غير الغالي إلخ لأن من أخلاقه التي أمر بها القصد في الأمور والغلو التشديد في الدين ومجاوزة الحد والتجافي البعد عنه
(د عن أبي موسى) الأشعري سكت عليه أبو داود وقال في الرياض حديث حسن وقال الحافظ العراقي وتلميذه ابن حجر سنده حسن وقال ابن القطان ما مثله يصح وأورده ابن الجوزي في الموضوع بهذا اللفظ من حديث أنس ونقل عن ابن حبان أنه لا أصل له ولم يصب بل له الأصل الأصيل من حديث أبي موسى واللوم فيه على ابن الجوزي أكثر انتهى
2470 - (إن من إجلالي) أي تعظيمي وأداء حقي وفي رواية من إجلال الله (توقير الشيخ من أمتي) أي من جملة إجلال الله وتوقيره أن يكرم موضع وقاره وهو شيبة المسلم ولهذا السر قال الخليل وقد رأى الشيب وكان أول من شاب ما هذا يا رب قال وقار يا إبراهيم قال يا رب زدني وقارا
(خط في الجامع عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن حبيب عن بقية قال في الميزان عن يحيى ليس بشيء وعن ابن حبان لعله وضع أكثر من خمس مئة حديث ثم أورد له هذا الخبر ثم قال قال ابن حبان لا أصل له ثم أعاده في ترجمة يعقوب بن إسحاق الواسطي وقال إنه هو المتهم بوضع هذا وحكاه عنه المؤلف في مختصر الموضوعات وأقره
2471 - (إن من أخلاق المؤمن) أي الكامل (قوة في دين) أي طاقة عليه وقياما بحقه. جلد عمر ابنه الحد فقال: يا أبت قتلتني قال: إذا لقيت ربك فأخبره أنا نقيم الحدود (وحزما في لين) أي سهولة فإذا جاءت المعرفة بأنوارها انجلت الكثافة وزالت الفظاظة وذلك لأن الحزم هو اجتماع الأمور وإنما تجتمع وتستحكم باللين فإن الغصن الصلب إذا مددته انكسر باثن واللين إذا مددته انقاد وبلغت به المراد (وإيمانا في يقين) لأن العبد وإن كان موحدا لكن قد يدخله النقص -[530]- في نوره المشرق في صدره فيحجب عن الله ويقف مع الأسباب فيحتاج إلى يقين يزيل حجابه ويطلق عنانه (وحرصا في علم) أي اجتهادا فيه ودواما عليه لأن العلم بحر لا ساحل له ولا منتهى فمن دخله احتاج إلى حرص يعينه عليه ويذهب بملاله ويبعثه في كل وقت إليه (وشفقة) أي خوفا ومحبة وعطفا (في مقة) بالقاف بضبط المصنف لكن رواية الحكيم معه بالعين مشتقة من المعة أمعاء البطن فالشفقة تحنن الرأفة والإكباب على من يشفق عليه وإنما يصير منكبا بشدة الرأفة فإذا كانت الشفقة بغير معة انتشرت فأفسدت وإذا كانت في معة كانت في حصن فلم تنتشر ولم تفسد لأن هنا حدا يحويها (وحلما في علم) لأن الحلم سعة الأخلاق فإذا توسع المرء في أخلاقه ولم يكن له علم فقد الهدى وإن كان ثم علم لا حلم ساء خلقه وتكبر بعلمه لأن للعلم حلاوة ولكل حلاوة شرة (وقصدا في غنى) فلا يتوسع في الإنفاق فيقع في الإسراف بل يكون وسطا فإنما هو رزق الله (وتجملا في فاقة) أي فقر بأن لا يلقي بيديه إلى التهلكة ويصبر على القلة ويرضى بالذلة ولكته يأخذ شعره ويقلم ظفره ويغسل ثوبه ويتنظف ويتطيب على قدر حاله فإن الله جميل يحب الجمال (وتحرجا) أي كفا (عن طمع) لأن الطمع فيما في أيدي الخلق انقطاع عن الله ومن انقطع عنه خذل وخسر (وكسبا من) وفي رواية في (حلال) أي سعيا في طلب الحلال فإن كل نفس فرغ ربها من رزقها فما فائدة الطلب من غير حل (وبرأ) أي إحسانا (في استقامة) بأن لا يمازجه هوى أو جور بل يكون مع صلابة في العدل حتى بين العيال والأطفال (ونشاطا في هدى) أي لا في ضلالة فإذا انبسطت نفسه ألجمها بلجام الشرع حتى لا تتعدى للفساد حال الانبساط (ونهيا عن شهوة) فإن النفس ذات شهوات فإذا أطعتها في واحدة طمعت في أخرى وهكذا حتى تشرد على صاحبها شراد البعير (ورحمة للمجهود) في عبادة أو معاش أو بلاء لأنه إذا تأمل ذلك الجهد رق قلبه من تعب ذلك البدن وفرغت نفسه له (وإن المؤمن من عباد الله) كذا وقفت عليه في خط المصنف وهو تحريف فإن لفظ رواية الحكيم الذي نسب المصنف الحديث إلى تخريجه ما نصه وإن المؤمن عياذا لله بمثناة تحتية بعد المهملة وذال معجمة أي هو الذي يعيذ المؤمنين من السوء فالمؤمن البالغ في إيمانه يعيذ العباد بفضل أمانه من جوره وظلمه ويصيرون منه في معاذ ثم وصفه فقال (لا يحيف على من يبغض) أي لا يحمله بغضه إياه على الجور عليه ولا يأثم فيمن يحب أي لا يحمله حبه إياه على أن يأثم في جنبه فإنه إذا كان كذلك كان بغضه وحبه لله وفي الله وبالله وإذا لم يكن كذلك كان بضده (ولا يضيع ما استودع) بالبناء للمجهول أي ما جعل أمينا على حفظه لشفقته على ما أودعه وائتمن عليه كشفقته على نفسه وماله لعظم قدر الأمانة عنده (ولا يحسد) لأن من أخلاق المعرفة إذا رأى لمؤمن حالا حسنة أذاعها أو دنيئة سترها فكيف يحسده (ولا يطعن) لأن الطعن يكون من الحسد أو من الغيرة والغيرة المذمومة من الشيطان فإذا طعن في الأعراض فقد هتك الستر وإنما يطعن في ستر الله. (ولا يلعن) فإن اللعنة إذ صارت إلى من وجهت عليه فلم تجد مساغا رجعت على صاحبها (ويعترف بالحق) الذي عليه (وإن لم يشهد عليه) بالبناء للمفعول أي لم يقم عليه به شهود فإن المؤمن أسير الحق يعلم أن الشاهد عليه علام الغيوب فاجتمع على قلبه أمران إثبات العلم الشهادة فأخذته هيبة العلم وحياء الشهادة (ولا يتنابز) أي يتداعى (بالألقاب) لأنه من شأن البطالين إذ هم الذين يجترثون على تغيير أسماء تسمى بها أهلها تحقيرا لهم (في الصلاة متخشعا) فإن الخشوع من فعل القلب فإذا علم أين قام خضع ولمن قام خشع وذلت نفسه وخشعت جوارحه (إلى الزكاة مسرعا) أي إلى أدائها لمستحقها لعلمه بأن المال ميال
-[531]- بالقلوب عن الله فإذا مال القلب لشيء نزعت منه البركة (في الزلازل وقورا) لأن الوقار يشغل قلب العبد فإذا نالته الزلزلة من بلاء أو شدة فلم يكن وقار استفزته الشدة فإذا توقر ثبت عند الشدائد (في الرخاء شكورا) لأن النفس وقت الرخاء ساكنة والقلب مشرق بالنور منكشف الغطاء فإن تناول النعمة على نور من ربه فهو على بصيرة منه فكان في هذه الحالة شكورا وكان في البلاء صبورا (قانعا بالذي له) أي بما رزقه الله (لا يدعى ما ليس له) أي لا يطالب أحد بشيء ليس له عليه فالقناعة تطيب النفس في الحياة الطيبة وهي من الله ثواب عاجل للعبد بما أطاعه (ولا يجمع في الغيظ) فإن الغيظ حرارة الحرص فإذا جمعه كذلك لم يدعه الحرص أن يتورع في كسبه حتى يتقمص في مكاسب السوء فيجره للتقحم في جرائم الحرام لكن يجمعه في تؤدة وسكينة وهيبة ومراقبة وما ذكر من أن اللفظ في القيظ هو ما في رواية الحكيم لكن رأيت المصنف في نسخته كتب بخطه الغيظ (ولا يغلبه الشح) أشد البخل (عن معروف يريده) أي يريد فعله فالشح أصله الحرص {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} والشح يدعو إلى أخذ مال الغير والتوغل في الحرام (يخالط الناس كي يعلم) فضل الله عليه وما يبقى وما يذر من البشر لا استرواحا بهم ولا أنسا لقربهم واطمئنانا لهم بل مخالطة اختبار واعتبار (ويناطق الناس) كذا بخط المصنف لكن بلفظ رواية الحكيم يناطقهم (كي يفهم) أحوالهم وأمورهم لأن الأسرار إنما تظهر بالمناطقة ولهذا قيل المرء بأصغريه (وإن ظلم وبغى عليه) ببناء ظلم وبغي للمجهول أي ظلمه أحد من الناس أو بغى عليه (صبر حتى يكون الرحمن) تقدس (هو الذي) يرحمه و (يقتص له) كذا هو بخط المصنف وضبطه بضم أوله لكن بلفظ رواية مخرجه الحكيم ينتصر له ممن ظلمه فالصبر هو مركز المؤمن بين يدي ربه والمؤمن الكامل عالم بأن الله تعالى عدل ينصف المظلوم من ظالمه وجد الله أقوى منه في الانتصار وإن كان مأذونا فيه شرعا لكن الترك أسلم والسلام قالوا وهذه الأخلاق من وجوه أخلاق المعرفة فمن رقى في درجات العرفان أتى بكل خلق من أخلاقها ليصير كامل الإيمان
(الحكيم) الترمذي (عن جندب) بضم الجيم والدال تفتح وتضم (بن عبد الله) البجلي ثم العلقمي بفتحتين ثم قاف وقد ينسب إلى جده