-[475]- 2342 - (إن قلب ابن آدم) أي ما أودع فيه (مثل العصفور) الطائر المعروف (يتقلب قي اليوم سبع مرات) الظاهر أن المراد بالسبع تكثير التقليب لا التحديد أخذا من نظائره ثم الكلام في قلب الإنسان لا في مطلق الحيوان كما نطق به الخبر وخصه لأنه محل المعارف والعلوم والأفعال الإختيارية وإدراك الكليات والجزئيات والحيوان وإن وجد فيه شكله وقام به ما يدرك مصالحه ومنافعه ويميز به بين مفاسده ومضاره لكنه إدراك جزئي طبيعي وشتان ما بينه وبين إدراك العلميات والاعتقادات وبهذا المعنى امتاز عن بقية الأعضاء وكان صلاحها بصلاحه وفسادها بفساده
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الإخلاص ك) في الرقائق (هب عن أبي عبيدة) بن الجراح رضي الله عنه قال الحاكم على شرط مسلم ورده الذهبي وقال فيه انقطاع
2343 - (إن قلب ابن آدم بكل واد) قال الطيبي: لا بد فيه من تقدير أي في كل واد له (شعبة) من شعب الدنيا يعني أن أنواع المتفكر فيه بالقلب متكثرة مختلفة باختلاف الأغراض والشهوات والنيات وإذا كانت القلوب كثيرة الالتفات سريعة التقلب والحركات فلا بد للعبد من جمع همته عن بعض الجهات والاعراض عن غيرها لئلا يتبدد همه (فمن) جعل همه الآخرة فاز ومن خالف (أتبع قلبه الشعب) وتشعب القلب همومه المتشعبة وأمانيه وأوديته طرق الهوى إلى أنواع شهوات الدنيا (كلها لم يبال الله تعالى بأي واد أهلكه) لاشتغاله بدنياه وإعراضه عن مولاه (ومن توكل على الله كفاه الشعب) أي كفاه مؤونة حاجاته المتشعبة المختلفة فإذا قطع العبد شغل جوارحه عن الدنيا في وقت فكرته وتقيده ومنع قلبه من التشتت في ميادين الأمور الدنيوية اجتمع همه وحضر عقله فإذا حضر له ذلك ثم تفكر بالتوكل على الرحمن لا على عقله فتحت له الفكرة باب الفهم لكلام ربه ومعرفته ومواقع وعده ووعيده {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} . قيل: باع ابن عمر حمارا له وقال كان لنا موافقا لكنه أذهب شعبة من قلبي فبعته لذلك والشعبة الظائفة والقطعة من الشيء قال الزمخشري: شعبة الشيء ما تشعب منه أي تفرع كغصن الشجرة وشعبة الجبال ما تفرق من رؤوسها فأصل الشعب وما اشتق منه للتفريق وإنما قيل لضده وهو الملامة لوقوعها عقب التفريق أو بعده اه. وقد أبان الخبر أن القلب هو محل العلوم والمعارف والأفعال الاختيارية وأن الحواس معه كالحجاب مع الملك لأنها تدرك المعلومات ثم تؤديها إليه ليحكم عليها ويصرف فيها فهي آلات وخدمة له وهي معه كملك مع رعيته وهو محل العقل عند الأكثر {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} {ولكن تعمى القلوب} وبه رد على القائلين بأنه في الدماغ كأبي حنيفة والأطباء
(هـ عن عمرو بن العاص) وفيه صالح بن رزين قال في الميزان حدث بحديث منكر ثم ساق هذا الخبر
2344 - (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين) أي هو سبحانه قادر على تقليب القلوب باقتدار تام كما يقال فلان بين أصبعي ويراد به كمال التصرف فيه فهو تمثيل أو أراد بالأصبعين الداعيتين لأن القلب صالح لميله إلى الإيمان والكفر ولا يميل لأحدهما إلا عند حدوث داعية وإرادة يحدثها الله تعالى قال الطيبي: وفي جمع القلوب إشعار برأفته ورحمته على أمته (من أصابع الرحمن) نسب تقلب القلوب إليه تعالى إشعارا بأنه تولى بنفسه أمر قلوبهم ولم يكله لأحد من ملائكته وخص الرحمن تعالى بالذكر إيذانا بأن ذلك لم يكن إلا لمحض رحمته وفضل نعمته كي لا يطلع أحد غيره على -[476]- سرائرهم ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم ذكره القاضي واعتراضه بأنه جاء في رواية من أصابع الله فلا يتم ما ذكره في حيز الرد لأن عدم إشعار إحدى الروايتين بفائدة زائدة لا ينافي إشعار الأخرى (كقلب واحد يصرفه حيث) وفي رواية كيف (يشاء) أي يتصرف في جميع قلوبهم كتصرفه في قلب واحد لا يشغله قلب عن قلب أو معناه كتصرف واحد منكم في قلب واحد فهو إشارة إلى تمام قدرته على تصريفها ولا يشغله شأن عن شأن قال الطيبي: وليس المراد أن تصرفه في القلب الواحد أسهل عليه من التصرف في القلوب كلها فإن ذلك عنده تعالى سواء {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} لكن ذلك راجع إلى العباد وإلى ما شاهدوه وعرفوه فيما بينهم كقوله سبحانه {وهو أهون عليه} أي أهون فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم وتقتضيه عقولكم وإلا فالإبتداء والإنشاء عنده سواء قال الإمام الرازي: وهذا عبارة عن كون القلب مقهورا محدودا مقصورا محصورا مغلوبا متناهيا وكلما كان كذلك امتنع أن يكون له إحاطة بما لا نهاية له فالإحاطة بجلاله متعذرة وفيه أن المؤمن ينبغي كونه بين الخوف والرجاء
(حم م) في الإيمان بالقدر وكذا النسائي (عن ابن عمرو) بن العاص وتمامه عند مسلم ثم فال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم مصرف صرف قلوبنا على طاعتك "