1605 - (أما بعد) أي حمد الله والثناء عليه قال عياض: هي كلمة يستعملها الخطيب للفصل بين ما كان فيه من حمد وثناء والانتقال إلى ما يريد التكلم فيه ويعوض عنها لفظتين هذا ولما كان كذا وأول من قالها داود أو يعقوب أو يعرب بن قحطان أو كعب بن لؤي أو سحبان أو وائل أو قس بن ساعدة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح والأول أشبه ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة للأولية المحضة والبقية بالنسبة إلى العرف خاصة ثم يجمع بينهما بالنسبة إلى القبائل (فو الله إني لأعطي) بلام بعدها همزة مضمومة فعين ساكنة فطاء مكسورة بلفظ المتكلم لا بلفظ المجهول من الماضي (الرجل وأدع) بفتح الهمزة والدال أي اترك (الرجل) الآخر فلا أعطيه شيئا (والذي أدع) إعطاءه (أحب إلي من الذي أعطى) عائد الموصول محذوف (ولكن) وفي رواية للبخاري ولكني (أعطي أقواما لما) بمسر اللام (أرى) -[173]- من نظر القلب لا من نظر العين (في قلوبهم من الجزع) بالتحريك أي الضعف عن تحمل ما نزل بهم من الإملاق [1] (والهلع) بالتحريك أيضا شدة الجزع أو أفحشه أو هما بمعنى وهو شدة الحرص فالجمع للاطناب (وأكل أقواما) بفتح الهمزة وكسر الكاف (إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى) النفسي (والخير) الجبلي الداعي إلى التصبر والتعفف عن المسألة والشره (منهم) أي من الأقوام الذين لهم غنى النفس (عمرو بن تغلب) بفتح المثناة فوق وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بالتحريك وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في الآخرة وأما في الدنيا فتقع العطية والمنع بحسب السياسة الدنيوية وأن البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع وأن المنع قد يكون خيرا للممنوع {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} واستئلاف من يخشى جزعه أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من يتبعه والاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه
(خ عن عمرو بن تغلب) هذا قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين تركوا عتبوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال عمرو: فو الله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم [2] انتهى [1] أي الفقر [2] أي ما أحب أن لي بدل كلمته النعم الحمر وهذه صفة تدل على قوة إيمانه ويكفيه هذه المنقبة الشريفة