1503 - (اللهم لك الحمد كالذي نقول) بالنون أي كالذي نحمدك به من المحامد (وخيرا مما نقول) بالنون أي مما حمدت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (اللهم لك) لا لغيرك (صلاتي ونسكي) عبادتي أو ذبائحي في الحج والعمرة ونص عليه لأن ذبائح الجاهلية كانت بأسماء أصنامهم (ومحياي) حياتي (ومماتي) موتي أي لك ما فيها من سائر أعمالي والجمهور على فتح ياء محياي وسكون ياء مماتي ويجوز الفتح والإسكان فيهما (وإليك مآبي) أي منقلبي ومرجعي (ولك رب تراثي) بتاء ومثلثة ما يخلفه الإنسان لورثته من بعده وتاؤه بدل من واو فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا أنه ما يورث وأن ما يخلفه غيره لورثته يخلفه هو صدقة لله سبحانه وفي الخبر إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما نركناه فهو صدقة
(اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) استعاذ منه لأنه أول منزل من منازل الآخرة فسأل الله أن لا يتلقاه في أول قدم يضعه في الآخرة في قبره عذاب ربه (ووسوسة الصدر) أي حديث النفس بما لا ينبغي وأضافها للصدر لأن الوسوسة في القلوب التي في الصدور (وشتات الأمر) أي تفرقته وتشعبه وفي الصحاح أمر شتت بالفتح أي متفرق وقال الزمخشري: تقول فرقهم البين المشتت وتفرقوا شتتا وأشتاتا
(اللهم إني أسألك من خير ما تجىء به الرياح وأعوذ بك من شر ما تجىء به الريح) سأل الله خير المجموعة لأنها للرحمة وتعوذ به من شر المفردة لأنها للعذاب على ما جاء به الأسلوب في كلام علام الغيوب قال الزمخشري: وعين الريح واو لقولهم أرواح ورويحة والعرب تقول لا تلقح السحاب إلا من رياح ويصدقه مجيء الجمع في آيات الرحمة والواحد في قصص العذاب
(ت هب عن علي) أمير المؤمنين قال كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم إلى آخره قال أعني الترمذي وليس إسناده بقوي
1504 - (اللهم عافني في جسدي) أي سلمني من المكاره فيه لئلا يشغلني شاغل أو يعوقني عائق عن كمال القيام بعبادتك (وعافني في بصري) كذلك (واجعله الوارث مني) بأن يلازمني حتى عند الموت لزوم الوارث لمورثه (لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين) أي الوصف بجميع صفات الكمال وسائر نعوت الجمال لله وحده على كل حال
(ت ك عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في الدعوات قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول فذكرته
1505 - (اللهم اقسم لنا) أي اجعل لنا قسمة ونصيبا (من خشيتك) أي خوفك والخشية الخوف أو خوف مقترن بتعظيم (ما يحول) أي يحجب ويمنع (بيننا وبين معاصيك) لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب المعاصي وبقدر قلة الخوف يكون الهجوم على المعاصي فإذا قل الخوف جدا واستولت الغفلة كان ذلك من -[133]- علامة الشقاء ومن ثم قالوا المعاصي بريد الكفر كما أن القبلة بريد الجماع والغناء بريد الزنا والنظر بريد العشق والمرض بريد الموت وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالعقل والبدن والدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلا الله (ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك) أي مع شمولنا برحمتك وليست الطاعة وحدها مبلغة بدليل خبر: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته (ومن اليقين) أي وارزقنا من اليقين بك وبأنه لا راد لقضائك وقدرك (ما يهون) أي يسهل (علينا مصائب الدنيا) بأن نعلم أن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة واستجلاب مثوبة وأنك لا تفعل بالعبد شيئا إلا وفيه صلاحه (ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا) قال القاضي: الضمير في اجعل للمصدر اجعل الجعل والوارث هو المفعول الأول ومنا في محل المفعول الثاني بمعنى اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة عنا أو الضمير للتمتع ومعناه اجعل تمتعنا بها باقيا عنا موروثا لمن بعدنا أو محفوظا لنا ليوم الحاجة وهو المفعول الأول والوارث مفعول ثان ومنا صلة أو الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة وإفراده وتذكيره وتأنيثه بتأويل المذكور ومعنى وراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له (واجعل ثأرنا على من ظلمنا) أي مقصورا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما في الجاهلية أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك به ثأرنا (وانصرنا على من عادانا) أي ظفرنا عليه وانتقم منه (ولا تجعل مصيبتنا في دينينا) أي لا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل حرام واعتقاد سوء وفترة في عبادة (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) فإن ذلك سبب للهلاك وفي إفهامه أن قليل الهم بما لا بد منه من أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب (ولا مبلغ علمنا) بحيث تكون جميع معلوماتنا الطرق المحصلة للدنيا والعلوم الجالية لها بل ارزقنا علم طريق الآخرة (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي لا تجعلنا مغلوبين للظلمة والكفرة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين أو من لا يرحمنا من ملائكة العذاب في القبر والنار وغيرهما ذكره كله القاضي. قال الطيبي: فإن قلت بين لي تأليف هذا النظم وأي وجه من الوجوه المذكورة أولى قلت أن تجعل الضمير للتمتع والمعنى اجعل ثأرنا مقصورا على من ظلمنا ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره وتحمل من لا يرحمنا علي ملائكة العذاب في القبر وفي النار لئلا يلزم التكرار فتقول إنما خص البصر والسمع بالتمتع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفته تعالى وتوحيده إنما تحصل من طريقهما لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المقصوصة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتع بهما حذرا من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولما حصلت المعرفة ترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه ثم إنه أراد أن لا ينقطع هذا الفيض الإلهي عنه لكونه رحمة العالمين فسأل بقاء ذلك ليستن بسنته بعده فقال: واجعل ذلك التمتع وارثا باقيا منا
(ت) في الدعوات (ك) وقال صحيح على شرط البخاري (عن ابن عمر) بن الخطاب قال:: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهذه الدعوات قال الترمذي حديث حسن وأقره النووي ورواه عنه أيضا النسائي وفيه عبد الله بن زجر ضعفوه قال في المنار فالحديث لأجله حسن لا صحيح