29 - (ائت حرثك) أي محل الحرث من حليلتك وهو قبلها إذ هو لك بمنزلة أرض تزرع قال الزمخشري: شبهن بالمحارث لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل وقوله {فأتوا حرثكم} معناه ائتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون حرثها؟ قال: ومن المجاز كيف حرثك؟ أي امرأتك قال:
إذا أكل الجراد حروث قوم. . . فحرثي همه أكل الجراد (أنى شئت) أي كيف ومتى وحيث شئت ومن أي جهة شئت لا يخطر عليك جهة دون جهة عمم جميع الكيفيات الموصلة إليه إيماء إلى تحريم مجاورة ما سوى محل البذر لما فيه من العبث بعدم المنفعة فوسع الأمر إزاحة للعلة في إتيان المحل المنهي عنه. وهذا من الكنايات اللطيفة والتعريضات البديعة قال الطيبي: وذلك أنه يبيح لهم أن يأتوهن من أي جهة شاؤا كالأراضي المملوكة وبذلك عرف سر تعبيره بأنى المفيدة لتعميم الأحوال والأمكنة والأزمنة. وما ذكر من أن الدبر حرام هو ما استقر عليه الحال وعليه الإجماع الآن في الجملة. وذهب شرذمة من السلف إلى حله تمسكا بأن هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث باب ورد على سبب وهو كما في معجم الطبراني عن ابن عمر أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر ذلك الناس فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الآية. قال الهيثمي: فيه يعقوب بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات ثم هذا عام مخصوص بغير حال نحو حيض وصوم وإحرام (وأطعمها) بفتح الهمزة أي الزوجة المعلومة من مرجع الضمير المعبر عنه بالحرث (إذا طعمت) بتاء الخطاب وكذا قوله (واكسها) بوصل الهمزة وسكون الكاف وضم المهملة وكسرها (إذا اكتسيت) قال القاضي وبتاء التأنيث فيهما غلط. والكسوة بالكسر اللباس والضم لغة يقال كسوته إذا ألبسته ثوبا. قال الحراني الكسوة رياش الآدمي الذي يستر ما ينبغي ستره من ذكر وأنثى وعبر " بإذا طعمت " إشارة إلى أنه يبدأ بنفسه للخبر الآتي: " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " وفيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها وهو إجماع والواجب في النفقة عند الشافعي مدان على الموسر ومد ونصف على المتوسط ومد على المعسر حبا سليما من غالب قوت بلدها مع الأدم من غالب أدم البلد وفي الكسوة قميص وسروال وإزار وخمار ونعل ويزاد في الشتاء جبة أو أكثر بحسب الحاجة ومحل بسطه كتب الفقه وفيه ندب مؤاكلة الزوجة خلافا لما يفعله الأعاجم ترفعا وتكبرا وإنه إن أكل بحضرتها بعد دفع الواجب لها ينبغي أن يطعمها مما يأكل جبرا وإيناسا (ولا تقبح) بفوقية مضمومة وقاف مفتوحة وموحدة مشددة (الوجه) أي لا تقل إنه قبيح. ذكره الزمخشري: وقال القاضي: عبر بالوجه عن الذات فالنهي عن الأقوال والأفعال القبيحة في الوجه وغيره من ذاتها وصفاتها فشمل نحو لعن وشتم وهجر وسوء عشرة وغير ذلك (ولا تضرب) ضربا مبرحا مطلقا ولا غير مبرح لغير نشوز. وقال الحراني: وفيه إشارة بما يجري في أثناء ذلك من الأحكام التي لا تصل إليها أحكام حكام الأنام مما لا يقع الفصل فيه إلا يوم القيام من حيث إن ما يجري بين الزوجين سر لا يفشى وفي إشعاره إبقاء للمروءة في الوصية بالزوجة بحيث لا يحتكم الزوجان عند حاكم في الدنيا وفيه تهديد على ما يقع في البواطن من المضارة والمضاجرة بين الزوجين في أمور لا تأخذها الأحكام ولا يصل -[67]- إلى علمها الحكام وفيه أنه يحرم ضرب الزوجة إلا النشوز فإذا تحققه فله ضربها ضربا غير مبرح ولا مدم فإن لم تنزجر به حرم المبرح وغيره وترك الضرب مطلقا أولى. وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه أبا داود رواه هكذا من غير زيادة ولا نقص ولا كذلك بل لفظه: " قال - أي معاوية بن حيدة - نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: هي حرثك فأت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها " أي جاز وفيه حسن الأدب في السؤال والتعظيم بالكناية عما يستحيا من ذكره صريحا والسعي فيما يديم العشرة ويطيب النفس
(د عن) أبي عبد الملك (بهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء وزاي معجمة (ابن حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف ابن معاوية (عن أبيه عن جده) معاوية بن حيدة الصحابي القشيري من أهل البصرة: " قال قلنا يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ فذكره وبهمز أورده الذهبي في الضعفاء وقال صدوق فيه لين وفي اللسان ضعيف وحكيم قال في التقريب صدوق وسئل ابن معين عن بهز عن أبيه عن جده فقال: إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة ولذلك رمز المصنف لحسنه