-[63]- 25 - (آية المنافق) أي علامته (ثلاث) من الخصال أخبر عن آية بثلاث باعتبار إرادة الجنس أي كل واحد منها أو لأن مجموع الثلاث هو الآية. قال ابن حجر: ويرجح الأول رواية أبي عوانة بلفظ علامات المنافق ثلاث الأولى (إذا حدث كذب) أي أخبر بخلاف الواقع (و) الثانية (إذا وعد) أحدا بخير في المستقبل (أخلف) أي جعل الوعد خلافا بأن لا يفي به لكن لو كان عازما على الوفاء فعرض مانع فلا إثم عليه كما يجيء في خبر أما الشر فيندب إخلافه بل قد يجب ما لم يترتب على ترك إخلافه مفسدة (و) الثالثة (إذا ائتمن) بصيغة المجهول أي جعل أمينا وفي رواية بتشديد التاء بقلب الهمزة الثانية واوا وإبدال تاء والإدغام (خان) في أمانته أي تصرف فيها على خلاف الشرع ونقص ما ائتمن عليه ولم يؤده كما هو وصح عطف الوعد على ما قبله لأن إخلاف الوعد قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو لازم التحديث فتغايرا أو جعل الوعد حقيقة أخرى خارجة عن التحديث على وجه الادعاء لزيادة قبحه كما في عطف جبريل على الملائكة بادعاء بأنه نوع آخر لزيادة شرفه قال:
فإن تفق الأنام وأنت منهم. . . فإن المسك بعض دم الغزال
وخص هذه الثلاث لاشتمالها على المخالفة في القول والفعل والنية التي هي أصول الديانات فنبه على فساد القول بالكذب وفساد الفعل بالخيانة وفساد النية بالخلف وليس يتجه عليه أن يقال هذه الخصال قد توجد في المسلم والإجماع على نفي نفاقه الذي يصيره في الدرك الأسفل لأن اللام إن كانت للجنس فهو إما على منهج التشبيه والمراد أن صاحبها شبيه بالمنافق متخلق بأخلاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه أو الإنذار والتخويف أو الاعتياد والاضطرار ومصيره ديدنا وخلقا كما يؤذن به حذف المفعول من حدث لدلالته على العموم فكأنه قال إذا حدث في كل شيء كذب فيه وإن كانت للعهد فذلك في منافقي زمن النبي صلى الله عليه وسلم عموما حدثوا بإيمانهم فكذبوا ووعدوا في نصر الدين فأخلفوا وائتمنوا في المال فخانوا أو منافق خاص وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بما يكره بل يستر فيقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا " ونحو ذلك أو يقال النفاق ضربان شرعي وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان وعرفي وهو أن يكون سره خلاف علانيته وهو المراد هنا. قال الكرماني وتبعه ابن حجر. وأحسن الأجوبة حمله على النفاق العملي (حكى) أن رجلا من البصرة حج فجلس بمجلس عطاء بن أبي رباح فقال: سمعت الحسن يقول: من كان فيه ثلاث خصال لم أنحرج أن أقول إنه منافق. فقال له عطاء: إذا رجعت إليه فقل له: عطاء يقرئك السلام ويقول لك: ما تقول في أخوة يوسف إذ حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا أكانوا منافقين؟ ففعل فسر الحسن وقال: جزاه الله خيرا. وقال لأصحابه: إذا سمعتم مني حديثا فاصنعوا كما صنع أخوكم. حدثوا به العلماء فما كان صوابا فحسن وإذا كان غير ذلك فردوه علي. ثم إنه لا منافاة بين قوله: " ثلاث " وقوله في خبر يجيء: " أربع " بزيادة: " إذا عاهد غدر " فرب شيء واحد له علامات كل منها تحصل بها صفته شيئا وقد تكون العلامة واحدا وقد تكون أشياء أو أن الأربع ترجع إلى ثلاثة بإدخال " إذا عاهد غدر " في " إذا ائتمن خان "
(ق) وكذا أحمد (ت ن) كلهم في باب الإيمان (عن أبي هريرة) زاد مسلم في روايته عنه عقب ثلاث: " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم " أي وإن عمل أعمال المسلمين من صوم وصلاة وغيرهما من العبادات
26 - (آية) بالتنوين (بيننا وبين المنافقين) نفاقا عمليا وأطلق عليهم اسم النفاق مبالغة في التهديد على ترك حضور الجماعة (شهود) أي حضور أي ترك حضور جماعة (العشاء) بكسر العين والمد لغة أول الظلام سميت به الصلاة لفعلها حينئذ (والصبح) بضم الصاد لغة أول النهار سميت به الصلاة -[64]- لمثل ما ذكر ثم وجه ذلك بقوله (لا يستطيعونهما) أي فإنما نحن نستطيع فعلهما بنشاط وانبساط فلا كلفة علينا في حضور المسجد لصلاتهما جماعة وأما هم فثقيلتان عليهم فلا يستطيعون فعلهما بخفة ونشاط كما يوضحه حديث الشيخين: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والصبح " وذلك لأن العشاء وقت استراحة والصبح وقت لذة النوم صيفا وشدة البرد شتاء وأما المتمكنون في إيمانهم فتطيب لهم هذه المشقات لنيل الدرجات لأن نفوسهم مرتاضة بأمثالهما متوقعة في مقابلة ذلك ما تستخف لأجله المشاق وتستلذ بسببه المتاعب لما تعتقده في ذلك من الفوز العظيم بالنعيم المقيم والخلاص من العذاب الأليم ومن ثم كانت قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة ومن طاب له شيء ورغب فيه حق رغبته احتمل شدته بل تصير لذته ولم يبال بما يلقى من مؤنته. ومن أحب شيئا حق محبته أحب احتمال محنته حتى إنه ليجد بتلك المحنة ضروبا من اللذة. ألا ترى جاني العسل لا يبالي بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل؟ والأجير لا يعبأ بارتقاء السلم الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار لما يتذكر من أخذ الأجرة بالعشي؟ والفلاح لا يتكدر بمقاساة الحر والبرد ومباشرة المشاق والكد طول السنة لما يتذكر من أوان الغلة فكذا المؤمن المخلص إذا تذكر الجنة في طيب مقيلها وأنواع نعيمها هان عليه ما يتحمله من مشقة هاتين الصلاتين وحرص عليهما بخلاف المنافق. وأفاد قوله في حديث الشيخين: " أثقل " أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين قال تعالى: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} وأن بعضها أثقل من بعض. واعلم أن المنافق يصلي: لكن من حيث العادة لا القيام بالعبادة فهو لما أضمره في نفسه من كراهة الصلاة لا يرائي بها بل يصليها في بيته <تنبيه> قال بعض العارفين لزوم الصبح في جماعة يسهل أسباب الدنيا الصعبة والعصر والعشاء فيها يورث الزهد ويقمع النفس عن الشهوات ويصحح الاعتقاد مع ما فيه من سلوك الأدب مع الله حال قسمته أرزاق العباد فإنهم تقسم أرزاقهم المحسوسة بعد الصبح والمعنوية بعد العصر والعشاء
(ص) وكذا البيهقي في الشعب (عن) أبي محمد (سعيد بن المسيب مرسلا) بفتح المثناة تحت ويجوز كسرها كما في الديباج والأول أشهر وهو رأس التابعين ورئيسهم وعالمهم وفردهم وفقيههم. قال مكحول: طفت الأرض فما لقيت أعلم منه وقد أفردت مناقبه بالتأليف وهذا الحديث إسناده صحيح