responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فيض القدير نویسنده : المناوي، عبد الرؤوف    جلد : 1  صفحه : 6
ثم الحمد النعت بالجميل على الجميل أي الفعل الحسن الصادر من المحمود باختياره حقيقة أو حكما على وجه يشعر بتوجيهه إلى المنعوت للتعظيم ظاهرا وباطنا بأن يقصد به إنشاء التعظيم على وجه التعميم فلابد لتحقق ماهيته في الوجود من أمور خمسة: محمود به ومحمود عليه وحامد ومحمود وما يدل على إنصاف المحمود بصفة فالأول صفة تظهر اتصاف شيء بها على وجه مخصوص ويجب كونه صفة كمال يدرك العاقل السليم القابل لدرك الحقائق حسنها ولو بدقة نظر أو تعلم. والمراد بالجميل أعم مما في الواقع أو عند الحامد أو المحمود بزعم الحامد فشمل النعت بنحو ظلم ادعى أحدهما حسنه إذ المناط التعظيم وقد وجد ولا فرق بين كون المحمود ثبوتيا أو سليبا كما صرح به الإمام الرازي ولا بين كونه من الكمالات المتعدية كإنعام وتعليم وتسمى فواضل وغيرها كعلم وقدرة وحسن وتسمى فضائل ولا بين كونه صدر عن المحمود باختياره أولا فالوصف بكمال نحو حسن أو ذات حمد كما قرره النحرير الدواني والعلامة صدر الأفاضل في حواشي التجريد والمطالع وقال المولى حسن الرومي إنه الأشهر وظاهره نقل ذلك عن قدماء القوم وشهرته بينهم وجزم به المحقق خسرو الرومي حيث قال: الحمد يقتضي محمودا به أعم من كونه اختيارا أولا وبه يمتاز عن الأشهر ومحمودا عليه اختياريا وبه يمتاز عن المدح أعم من كونه إنعاما أو غيره وبه يمتاز عن الشكر انتهى لكن نقل الدواني في شرح التهذيب عن البعض وجوب كون المحمود به اختياريا ثم اختاره موجها بأن الجميل صفة الفعل وهو بالاختيار كما ذكره التفتازاني وأيد بأنه لم يثبت لغة عموم المحمود به اختيارا حتى يصرف ذلك للمحمود عليه فالأصل كون المحمود به اختياريا مثله وكما لم يسمع الحمد على صباحة الخد ورشاقة القد لم يسمع الحمد بهما فما لا اختيار فيه لا يحمد به ولا عليه وعدم حمد اللؤلؤ كما يمكن كونه من جهة اشتراط أن المحمود عليه يجب كونه اختياريا فكذا من جهة اشتراط المحمود به فعلا فجعله دليلا على أحدهما فقط تحكم والثاني ما يقع الوصف الجميل بإزائه ومقابله بمعنى أن المنعوت لما اتصف به ذكر جميله وأظهر كماله فهو لأجل حصوله له ولولاه لم يتحقق ذلك الوصف فهو كالعلة الباعثة للواصف على الوصف أو هو علته وقد يكون الشيء الواحد محمودا به وعليه معا كأن رأى من ينعم أو يصلي فأظهر اتصافه بذلك فتلك الصفة من حيث بعثها على إظهار اتصافه بها محمود عليها ومن حيث اتصافه وإظهار كونها من صفاته محمود بها ويجب في المحمود عليه كمالا فغيره لا يصلح سببا لإظهار الكمال والمراد أعم مما في ظن الحامد أو المحمود على قياس ما سبق في المحمود به وظاهر كلام الجمهور أن المحمود عليه أعم من كونه فعلا صادرا من المحمود أو كيفية قائمة به لكن في شرح الكشاف للسعد تبعا للرازي أن المراد فعل جميل فلا يكفي أن يكون للمحمود دخل في صدوره عن غيره لا على وجه الفاعلية لانتفاء الفعل المشترط إذ التعظيم حينئذ من حيث تعلق الصفة به لا من حيث كونه فعلا فمعنى قول الشريف يختص الحمد بالفاعل المختار أنه فاعل للمحمود عليه ثم المشهور بين الجمهور أن المحمود عليه يشترط حصوله من المحمود باختياره حقيقة أو حكما فالثناء على صفاء اللؤلؤ ورشاقة القد وصباحة الخد مدح لا حمد ولا يشكل بقوله سبحانه {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} لأنه من وصف الشيء بوصف صاحبه أو أن الحمد فيه مجاز عن المدح ولا بقول الشاعر:
أرى الصبر محمودا عواقبه. . . وقوله: والصبر يحمد في المواطن كلها
لأنه كما قال خسرو بمعنى الرضا لمجيئه في اللغة لذلك أيضا وبتعميم الاختيار وقع الإشكال بثنائه سبحانه على صفاته الذاتية لأنها غير مسبوقة بالاختيار وإلا لزم حدوثها كما قرر في محله وما ذاك إلا لأن الذات لما كانت مستقلة في تحققها -[7]- من غير مدخلية شيء من الأغيار بمعنى إذا شاء ترك نزل منزلة الاختياري لتكون في حكمه أو أنها لما ترتبت عليها أمور اختيارية جعلت في حكمه فالمراد ماكان اختياريا نفسه أو أثره وها هنا تنبيه وهو أن ما تقرر من اشتراط الاختيار إنما هو بالنظر إلى الحقيقة أما المجاز فلا كما يصرح به كلام الزمخشري حيث قال: ومن المجاز حمدت الأرض رضيت سكناها والرعاة يتحامدون الكلأ وجاورته فما حمدت جواره وأفعاله حميدة وهذا طعام ليست عنده محمدة أي لا يحمده آكله والثالث وهو من يتحقق منه الحمد وشرطه أن يكون معظما بذاته للمحمود في سائر أقواله وجميع أفعاله ظاهرا وباطنا بأن يقصد به إظهار التعظيم على جهة التعميم فلو اقترن بما دل عليه الوصف بالكمال من التعظيم والعظمة من جميع الوجوه إلا جهة واحدة فاقترن منها بتحقير أو استهزاء أو تهكم كما لو صدر بفعل أكبر الجوارح مع مخالفته جارحة واحدة لم يكن حمدا لأن التعظيم الظاهري والباطني إنما يتحقق تفاوتهما باعتبار قيد زائد هو اعتبار العموم في الأفراد وإذا كان بعض أفراده صارفا عن التعظيم كذا حققه صدر الأفاضل وأيد بأن التعظيم والتحقير من شخص واحد في آن واحد لا يجتمعان فإن فرض اجتماعهما لم يتبادر منه إلا التحقير فكأنه نص في التحقير فحمل المحتمل عليه والتحقير في القبيح والذم أتم وأشد من التعظيم في الحسن والكمال ألا ترى أن أدنى ما يوهم الاستهزاء أو التهكم يوجب الذم والعقوبة وقل ما يترتب على صريح التعظيم ما يناسبه إذا قل لكن لا يلزم اعتقاد اتصاف المحمود بالجميل المذكور عند المحققين بل الشرط عدم اقترانه يشوب تحقير فدخل الوصف بما قطع بانتفائه كما مر. قال الدواني: ولا يناقضه توجيه الشريف لاشتراط التعظيمين بأنه إذا عرى عن مطابقة الاعتقاد لم يكن حمدا بل سخرية لأنه أراد بالاعتقاد لازمه وهو إنشاء التعظيم لا معناه الحقيقي فإن الحمد قد يكون إنشائيا ولا معنى لمطابقة الاعتقاد فيه لأن ما لا يتعلق به الاعتقاد لا يوصف حقيقة بمطابقة الاعتقاد إذ المتبادر من مطابقة الاعتقاد الاتحاد في الإيجاب والسلب أو ما يستلزمه أو يؤول إليه وهذا لا يوجد إلا في القضايا ولذلك لا تسمع من أحد من أهل الاصطلاح أن التصوير يطابق الاعتقاد بل لو قال أحد إن تصور مفهوم نحو اضرب يطابق الاعتقاد نسبه أهل العرف الخاص لما يكره وحمل المطابقة على هذا المعنى أقرب من التزام اتصاف التصورات بالمطابقة وإلا مطابقة إذ ليس في هذا المعنى إلا ذكر الملزوم وإرادة اللازم مع أن أهل العرف العام قد يطلقون الاعتقاد بهذا المعنى يقال فلان له اعتقاد في فلان ويراد مثل ذلك ولا بعد فيه لأنهم يعدون الوصف بالجميل المعلوم الانتفاء إذا كان كذلك مدحا وحمدا كالقصائد المشتملة على وصف الممدوح بما هو محقق الانتفاء إلى هنا كلام الدواني. قال: وأما الجواب بأن الواصف يعتقد اتصاف الممدوح بما ذكر وأنهم أرادوا معاني مجازية واعتقدوا اتصاف المنعوت بها فيرده أن الأول خلاف البديهة والثاني خلاف الواقع اه. واعترضه صدر الأفاضل بأن الأول لو كان خلاف البديهة لم يقصد العقلاء إفادته ولم يكن اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي والثاني لو كان خلاف الواقع لما كان الكلام مستعملا في معناه المجازي فيلزم أن لا يكون الكلام المذكور حقيقة ولا مجازا انتهى. وأجابه الدواني بما نصه: هذا السيد الفاضل لم يتذكر أنه لا يلزم من عدم اعتقاد مدلول الكلام أن لا يكون الكلام مستعملا فيه فإن الأخبار التي مضمونها خلاف اعتقاد المتكلم كقول السني المخفي عن حاله عن المعتزلي: العبد خالق لأفعال نفسه الاختيارية مستعملا في معناه الحقيقي مع أنه لا يعتقده بل جميع الأكاذيب التي يتعمدها أهلها كذلك. ثم إنه حمل قوله والأول خلاف البديهة على أن مضمون تلك الأخبار خلاف البديهة وفرع عليه أنه يلزم أن لا يقصد العقلاء إفادته ويرد عليه منع الملازمة فإن الأكاذيب التي يعتمدها المتكلم العاقل قد تخالف البديهة مع قصد المتكلم إفادتها لغرض من الأغراض كتغليط المخاطب أو تبكيته أو امتحانه أو للتخييل فلا يلزم أن لا يكون ذلك الكلام حقيقة ولا مجازا كما توهمه والأخبار قد يقصد بها إفادة التصديق بمضمونها إما جزما أو ظنا وقد يقصد بها إفادة التخييل كما في القضايا الشعرية انتهى. الرابع المحمود وقد سبق اشتراط كونه فاعلا مختارا أو في حكمه ثم إن المحققين التفتازاني والجرجاني والمفسرين الأفضلين الزمخشري والقاضي صرحوا في عدة مواضع بأن الحد مختص به تعالى منحصر فيه وعليه إشكال قضوا له بالصعوبة لأن أفعال العباد كما ترجع إلى الله من
-[8]- جهة الخلق والاقتدار وتهيئة الأسباب والتوفيق ترجع إلى العبد من جهة المباشرة بعد الإرادة وهذه الجهة وإن رجعت إلى الله لأنه المحصل للأسباب الدافع للمواقع ترجع للعبد قطعا لخلق الجميل فيه وتمكنه من مباشرته فيحمد باعتبارها فرجوعه إلى الله لا يقتضي الحصر والناس فيه فريقان فريق تجرأوا على أولئك المحققين وحكموا على كلامهم بالتوهين ومنهم المولى ابن الكمال فرماهم بالوهم في هذا المجال حيث قال: لا اختصاص بالحمد بالله كما يفصح عنه قول عائشة رضي الله تعالى عنها نحمد الله لا نحمدك وقول علي رضي الله تعالى عنه:. . . لاتحمدن امرءا حتى تجربه. . . بل اختصاصه بذي علم وشعور كما يرشد إليه قولهم في المثل السائر: عند الصباح يحمد القوم السري. قال: ومن هنا تبين أن المحمود عليه لا يلزم كونه فعلا لمن حمد به فضلا عن كونه مختارا فيه كما توهم وأن من وهم قيام الفرق بين الحمد والمدح لصحة تعلق الثاني بالجماد دون الأول فقد وهم واتضح به أنه لا مدخل لمسألة خلق العباد لأفعالهم هنا لأن الكلام في الحمد اللغوي ومرجعه إلى من وثق بعربيتهم بالنقل الصحيح والاستعمال الصريح وقد صح عنهم عدم الاختصاص وأما حمل التعريف على الجنس دون الاستغراق فمنشؤه أمر وراء ذلك وهو أن مقتضى مقام الخطاب تخصيص حقيقة الحمد به تعالى تنزيلا لأفراد الحمد الثابتة لغيره منزلة العدم والقصد إلى هذا المعنى ظاهر عند كون التعريف للجنس لا للاستغراق إذ قد يكون جزئيا كجمع الأمير الصاغة فلا يوجب استيعاب جميع الأفراد. إلى هنا كلامه. وفريق سلكوا سبيل الأدب مع أولئك العظماء وسيد هذا الفريق سيد المحققين الدواني فنزل الحصر على الحقيقة لأن الحمد يختص بالفعل الاختياري ولا اختيار لغيره تقدس على قاعدة أهل الحق والعبد مضطر في صورة مختار انتهى. والحاصل أنهم نزلوا حمد غير الله منزلة العدم أو منزلة حمده الله تعالى لأنه مبدأ كل جميل فحمد غيره كالعارية لأن الكل منه وإليه خلقا وتمكينا وتيسيرا وليس لغيره غير مجرد مظهرية لما بين يديه وكل جمال وكمال مضمحل في جماله وكماله وراجع إليه وكل اختيار لغيره يعود إلى اضطرار. الخامس وهو ذكر ما يدل على اتصاف المحمود بالمحمودية وقد اشتهر تقييده باللسان والمراد منه أن يكون مجارحة النطق فلما كان الواقع كون آلة التكلم هي تلك الجارحة خص بها فلو فقد لسان إنسان فأثنى بحروفه الشفوية على جميل أو خلق النطق في بعض جوارحه كما ذكر بعض الثقات أنه شاهده فأثنى به فهو حمد وقضية التقييد به أيضا أن لا يكون الصادر عن المنزه عن الجارحة حمدا وقد قال تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} فذهب الأكثر إلى أنه إخبار باستحقاق الحمد أو أمر بالحمد أو منقول على ألسنة العباد أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية المطلوبة من الحمد وميل السيد إلى الأخير لكن النحرير الدواني قال: كون الحمد في حقه سبحانه مجازا بعيد عن قاعدة أهل الحق من إثبات الكلام له حقيقة والقول مساوق للكلام قال: فالأظهر أن الحصر في اللسان إضافي في مقابلة الجنان والأركان والمراد الفعل الذي مصدره اللسان غالبا أو هو قيد أغلى يسوغ الاستعمال فيه. وتوضيحه أن اللفظ قد يكون موضوعا في أصل اللغة لأمر عام اشتهر في بعض أفراده بخصوصه بحيث يصير حقيقة عرفية في ذلك الفرد وسبب الاشتهار إما كثرة تداول ذلك اللفظ كما في لفظ الدابة فإنه موضوع في الأصل لما يدب على الأرض ثم اشتهر به في العرف العام في بعض أفراده حتى صار حقيقة عرفية فيه وإما عدم الاطلاع على فرد آخر فيستعمله أهل اللسان في ذلك الفرد حتى إذا استمر ذلك ولم يطلعوا على إطلاقه على فرد آخر ظنوا أنه موضوع لخصوصه كما في الميزان فإنه في الأصل موضوع لآلة الوزن ثم من لم يطلع على تلك الآلة إلا على ما له لسان وعمود ربما يجزم بأنه موضوع لهذا حتى أن من لم ير موازين المياه وغيرها من موازين الحكمة ربما يظن أنها ليست ميزانا وكما أن من لم يشاهد من الخبز إلا ما هو من الحنطة لا ينساق ذهنه عند سماع لفظ الخبز إلا إليه وربما لم يصدق بأن غير من أفراد الخبز حقيقة ومثل ذلك يجري في كثير من الألفاظ ثم الأمر في المشتقات لا يكاد يخفى على من له أدنى فطنة لظهوره بالرجوع إلى قاعدة الاشتقاق أما في غيره فربما يشتبه على الجماهير وبذلك يفوت كثير من حقائق الكتاب والسنة فإن أكثرهما وارد على أصل اللغة إذا تمهد ذلك فقس عليه الحمد فإن حقيقته عندهم إظهار صفات الكمال ولما كان الإظهار القولي أظهر أفرادا وأشهرها عند العامة شاع استعمال لفظ الحمد فيه حتى صار كأنه حقيقة فيه مجاز في غيره مع أنه بحسب
-[9]- أصل الواقع أعم بل الإظهار الفعلي أقوى وأتم فهو بهذا الاسم أليق وأولى كما هو شأن القول بالتشكيك انتهى. وشمل التعريف حمد الملائكة لنطق النصوص بنطقهم باللسان وتشكلهم كالإنسان وأخرج حمد الطير والبهيمة والنائم لفقد القصد المعتبر. ثم إنه قد عرف بما قد سلف أن الحمد لله وأحمد الله حمد لدلالته على الاتصاف بالكمال وبه جزم الشريف وأورد الدواني أنا لا نسلم دلالة نصفك على الانصاف لصدقه مع كذب الاتصاف فلا يكون وصفا بالجميل بخلاف أنت نتصف ثم أجاب بأن التعظيم الباطني المشترك يدل على اعتقاد كمال ما بدأ به وهو يدل عرفا على معنى أنت متصف إذ الإنسان لا يكذب نفسه وبأن العبارة تطلق عرفا بمعنى أنت متصف وبأن نحمد دال على صدور القول والقول دال على الإتصاف فهو دال على الانصاف انتهى

نام کتاب : فيض القدير نویسنده : المناوي، عبد الرؤوف    جلد : 1  صفحه : 6
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست