-[224]- 309 - (أد ما افترض الله) أي أوجب (عليك) ومنه السنة يقول فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أي سنه (تكن من أعبد الناس) أي المقبول عبادتهم يعني إذا أديت العبادة على أكمل الأحوال من ركن وشرط وسنة خالصة سالمة من الخلل تكن من أعبد الناس ممن لم يفعلها كذلك والعبادة تتفاوت رتبها في الكمال (واجتنب ما حرم الله عليك) أي لا تقربه فضلا عن أن نفعله فإن من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيها (تكن من أورع الناس) أي من أعظمهم كفا عن المحرمات وأكثر الشبهات قال النووي: والورع اجتناب الشبهات خوفا من الله تعالى وقال ابن القيم: ترك ما يخاف ضرره في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع فيها (وارض) اقنع (بما قسمه الله) قدره (لك) قال الله تعالى {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} (تكن من أغنى الناس) فإن من قنع بما قسمه الله له صار غني القلب زاهدا فيما في يد غيره والقناعة كنز لا يفنى قال أكتم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله علم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بالقسم قال الحكماء: من قنع كان غنيا وإن كان فقيرا ومن تجاوز ما له من القناعة فهو فقير وإن كان غنيا وقال بعضهم: الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف ومن رضي بالمقدور قنع بالميسور وقالوا: ما كان لك من الدنيا أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن قطع رجاءه مما فات استراح بدنه والراحة كلها في الرضا بالمقسوم والاقتصار على حال الوقت والإعراض عما كان ويكون لأن ذلك كدر في الوقت وشغل بما لا يعني ولا يغني والهم كله في الأسف على الأمور الماضية والاهتمام بالأمور الآتية من الدنيا وعماد ذلك أن العبد يقبل ما أعطاه سيده في الوقت ولا يهتم بما بعد الوقت لا من أين ولا كيف ولا ماذا يعطيه لأنه ليس مما يعنيه (تتمة) قال الغزالي: للشرع حكمان حكم الجواز وحكم الأفضل الأحوط فالجائز يقال له حكم الشرع والأفضل والأحوط يقال له حكم الورع فافهم وبه يخرج الجواب عن قول من قال الورع موضوع على التشديد والشرع موضوع على اليسر والسماحة
(عد عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي قال الدارقطني رفعه وهم والصواب وقفه
310 - (أدبني ربي) أي علمني رياضة النفس ومحاسن الأخلاق الظاهرة والباطنة والأدب ما يحصل للنفس من الأخلاق الحسنة والعلوم المكتسبة وفي شرح النوابغ هو ما يؤدي بالناس إلى المحامد أي يدعوهم (فأحسن تأديبي) بإفضاله علي بالعلوم الكسبية والوهبية بما لم يقع نظيره لأحد من البشر. قال بعضهم: أدبه بآداب العبودية وهذبه بمكارم أخلاق الربوبية ولما أراد إرساله ليكون ظاهر عبوديته مرآة للعالم كقوله صلوا كما رأيتموني أصلي وباطن حاله مرآة للصادقين في متابعته وللصديقين في السير إليه {فاتبعوني يحببكم الله} وقال القرطبي: حفظه الله من صغره وتولى تأديبه بنفسه ولم يكله في شيء من ذلك لغيره ولم يزل الله يفعل به حتى كره إليه أحوال الجاهلية وحماه منها فلم يجر عليه شيء منها كل ذلك لطف به وعطف عليه وجمع للمحاسن لديه انتهى. وفي هذا من تعظيم شأن الأدب ما لا يخفى ومن ثم قالوا: الأدب صورة العقل فصور عقلك كيف شئت وقالوا: الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب لأن من ساء أدبه ضاع نسبه ومن ضل عقله ضل أصله وقالوا: زك قلبك بالأدب كما تزكي النار بالحطب وحسن الأدب يستر قبيح النسب. وقال في العوارف: بالأدب يفهم العلم وبالعلم يصلح العمل وبالعمل تنال الحكمة ولما ورد أبو حفص النيسابوري العراق جاءه الجنيد فرأى أصحابه وقوفا على رأسه يأتمرون بأمره فقال: أدبت أصحابك آداب الملوك. قال: لا -[225]- ولكن حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن. وقال العارف ابن سلام: مددت رجلي تجاه الكعبة فجاءتني امرأة من العارفات فقالت: إنك من أهل العلم لا تجالسه إلا بالأدب وإلا محى اسمك من ديوان القرب. وقال السقطي: مددت رجلي ليلة في المحراب فنوديت ما هكذا تجالس الملوك فقلت: وعزتك لا مددتها أبدا فلم يمدها ليلا ولا نهارا. قال في العوارف: وكل الآداب متلقيات عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه مجمعها ظاهرا وباطنا وذكر البرهان البقاعي أنه سأله بعض العجم أن يقرأ عليه فأذن فجلس متربعا فامتنع من إقرائه وقال: أنت أحوج إلى الأدب منك إلى العلم الذي جئت تطلبه وحكى عن الشمس الجوهري أنه لما شرع في الاشتغال بالعلم طاف على أكابر علماء بلده فلم يعجبه منهم أحد لحدة فهمه حتى إذا جاء شيخ الإسلام يحيى المناوي فجلس بين يديه وفي ظنه أنه يلحقه بمن تقدم فشرع في القراءة فتأمل الشيخ فوجد أصبعا من أصابع رجله مكشوفا فانتهره وقال له بحال أنت قليل الأدب لا يجئ منك في الطلب غط أصبعك واستعمل الأدب فحم لوقته وزال عنه ما كان يجده من الاستخفاف بالناس ولزم دروسه حتى صار رأسا عظيما في العلم. وقال بعضهم: قد أدب الله تعالى روح نبيه صلى الله عليه وسلم ورباها في محل القرب قبل اتصالها ببدنه الظاهر باللطف والهبة فتكامل له الإنس باللطف والأدب بالهيبة واتصلت بعد ذلك بالبدن ليخرج باتصالها كمالات أخرى من القوة إلى الفعل وينال كل من الروح والبدن بواسطة الأخرى من الكمال ما يليق بالحال ويصير قدوة لأهل الكمال والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا وقيل: الأخذ بمكارم الأخلاق وقيل الوقوف مع المستحسنات وقيل تعظيم من فوقه مع الرفق بمن دونه وقيل: غير ذلك. قال الحراني: والربوبية إقامة المربوب لما خلق وأريد له فرب كل شيء مقيمه بحسب ما أبداه وجوده فرب المؤمن ربه وباه للإيمان ورب الكافر ربه ورباه للكفران ورب محمد صلى الله عليه وسلم ربه ورباه للحمد ورب العالمين رب كل عالم لما خلق له {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} فالربوبية بيان في كل رتبة بحسب ما أظهرته آية مربوبه من عرف نفسه فقد عرف ربه
(ابن السمعاني) الإمام أبو سعد (في) كتاب (أدب الإملاء) أي إملاء الحديث من جهة صفوان بن مفلس الحنطي عن محمد بن عبد الله عن سفيان الثوري عن الأعمش (عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني فأحسن أدبي ثم أمرني بمكارم الأخلاق فقال {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} هذا سياق رواية السمعاني بحروفه فتصرف فيه المؤلف كما ترى. قال الزركشي: حديث أدبني ربي فأحسن تأديبي معناه صحيح لكنه لم يأت من طريق صحيح وذكره ابن الجوزي في الواهيات عن علي في ذيل حديث وضعفه وأسنده سبطه في مرآة الزمان وأخرجه بطرق كلها تدور على السدي عن ابن عمارة الجواني عن علي وفيه فقال يا رسول الله إنك تكلم الوفود بكلام أو لسان لا نفهم أكثره فقال إن الله أدبني فأحسن تأديبي ونشأت في بني سعد فقال له عمر يا رسول الله كلنا من العرب فما بالك أفصحنا فقال: أتاني جبريل بلغة إسماعيل وغيرها من اللغات فعلمني إياها وصححه أبو الفضل بن ناصر قال المؤلف وأخرج العسكري عن علي قال قدم بنو فهد بن زبد على المصطفى صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتيناك من غور تهامة وذكر خطيبهم وما أجابهم المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: فقلت يا نبي الله نحن بنو أب واحد ونشأنا في بلد واحد وإنك تكلم العرب بلسان لا نفهم أكثره فقال: أدبني ربي إلى آخره وأخرج ابن عساكر أن أبا بكر قال: يا رسول الله طفت في العرب وسمعت كلام فصائحهم فما سمعت أفصح منك فمن أدبك قال: أدبني ربي ونشأت في بني سعد قال: وإسناده ضعيف وقال السخاوي: ضعيف وإن اقتصر شيخنا يعني ابن حجر على الحكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه. وقال ابن تيمية: لا يعرف له سند ثابت