إلى هنا كلامه. وقال الراغب: النبوة قيل سفارة العبد بين الله وبين خلقه وقيل إزاحة علل ذوي العقول فيما تقصر عنه عقولهم من مصالح المعاش والمعاد. وجمع بعض المحققين بينهما فقال: سفارة بين الله وبين ذوي الألباب لإزاحة عللهم فيما يحتاجون من مصالح الدارين وهذا حد كامل جامع بين المبدأ في المقصود بالنبوة وهي الخصوصية وبين منتهاها وهي إزاحة عللهم انتهى <تنبيه> إن قلت: لم عدل المؤلف عن النبي إلى الرسول؟ قلت: لما كان المقام مقام بيان الأحكام وتبليغ الأوامر والنواهي كان حقه أن يذكر فيه وصف الرسالة. ثم عقب ذلك بالرسالة. ثم عقب ذلك بالإشارة إلى ما يفيد مقصود البعثة ويتفرع على النبوة وهو غايتها فقال (المبعوث لرفع) أي لأجل إعلاء (كلمة الإسلام) أي تنفيذ أحكامها من الكلم وهو التأثير سمي بها اللفظ لأنه يورث في النفس فرحا وانبساطا إن كان طيبا وهما إن لم يكن والمراد بالكلمة الكلام التام أعني كلمة الشهادة أو القرآن كله على ما عليه المتقدمون من عدم الفرق بين الكلمة والكلام نقله القناوي عن شرح اللب قال: وإعلاء كلمته تنفيد أحكامه (وتشييدها) أي إحكامها ورفع منارها وتوثيق عراها. والرفع الإعلاء. قال الزمخشري: رفعه فارتفع ورفع فهو رفيع ومن المجاز رفعه على صاحبه في الجنس ويقال للداخل ارتفع أي تقدم ورفعت الرجل سميته والسند ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم اه
قال الراغب: الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها وتارة في البناء إذا طولته وتارة في المنزلة إذا شرفتها أمثلتها كل ما في النصوص والإسلام الخضوع والإنقياد الظاهر لما أخبر به الرسول. قال في الكشاف: كلما يكون من الإقرار باللسان من غير مؤاطأة القلب فهو إسلام وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان ومنه أخذ الدواني قوله: الإسلام الكامل الصحيح لا يكون إلا مع الإيمان والإتيان بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وقد ينفك الإسلام الظاهر عن الإيمان {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ويصح أن يكون الشخص مسلما في ظاهر الشرع ولا يكون مؤمنا حقيقة
-[17]- والإسلام الحقيقي المقبول عند الله لا ينفك عن الإيمان الحقيقي بخلاف العكس انتهى (وخفض) أي ولأجل إهانة وإذلال (كلمة الكفر) من دعوى الند والشريك لله أو الصاحبة أو الولد أو غير ذلك من صنوف الكفر وضروب الضلال (وتوهينها) أي إضعافها وتحقيرها والكفر لغة ستر النعمة وأصله الكفر بالفتح أي الستر ومنه سمي الزارع كافرا لستره البذر وقيل الليل كافر لذلك ومنه الكفارة لأنها تكفر الذنب أو تستره ومنه في ليلة كفر النجوم غمامها ومنه المتكفر بسلاحه أي المغطي به بدنه ثم نقل شرعا إلى عدم الإذعان لما علم مجيء الرسول به ضرورة قولا أو فعلا لما فيه من ستر نور الفطرة الأصلية الذي هو بدر الكمال ومحاولته الإبداع بذكر الخفض والرفع لا يحسن هنا إذ لا يليق إلا بكتب النحو والمناسب هنا ذكر المسند والمرسل والصحيح والضعيف والحسن ونحو ذلك من أنواع علوم الحديث. ثم لما نعته بعلو الشأن وظهور السطان ووصفه بما هو منشأ كل سعادة وكمال تحرك قلبه إلى إنشاء الصلاة والسلام عليه فقال (صلى الله وسلم عليه) من الصلاة وهي من الله الرحمة ومنا الدعاء ومن الملك استغفار كذا أثر عن الخبر قال المحقق الدواني: ومنها من زعم أنها ثنائية المعنى بالحقيقة نظرا إلى أن الأخيرين يجمعهما طلب الرحمة فإنها لم توضع للقدر المشترك بل تارة لهذا الفرد وتارة لذاك وابن عباس أعرف منا بوضع اللغة ولو صح ذاك أمكن إرجاعه إلى معنى واحد مشترك بين الأمور الثلاثة كالإمداد بالرحمة فلم يكن مشتركا لفظيا بل معنويا وكذا جميع الألفاظ المشتركة يمكن جكع معانيها المتعددة في أمر واحد فيبقى المشترك رأسا وهو باطل قطعا ثم تعلق لفظ على بهما للتضمن معنى النزول وقد أحسن من عبر عن معناه باستنزال الرحمة إلى هنا كلامه والسلام التسليم من الآفات المنافية لغاية الكمال وجمع بينهما لكراهة إفراد أحدهما أي لفظا لا خطأ أو مطلقا والجملة لإنشاء طلب الرحمة والسلام وإن كانت بصورة الخبر وجعلها خبرا معنى لإنشاء الدعاء قياسا على الحمد أبطل بأن الأخبار بثبوت الحمد يستلزم حمدا والأخبار بثبوت الدعاء لا يستلزم الدعاء. ولما كان لآله وصحبه نوع مشاركة في التوسط لمعاونتهم في التبليغ أشركهم معه فقال (وعلى آله) أصله عند سيبويه والبصريين وعليه اقتصر الكشاف وإليه مال الشاطبي إهل بدليل أهيل إذ التصغير يرد الأشياء إلى أصولها قلبت هاؤها همزة وهي ألفا وعند الكسائي أول بدليل أويل وأيده الجوهري ونصره أبو شامة زاعما أن الأول مجرد دعوى وأن لغة العرب تأباه وصححه في الإرتشاف فإن قلت في الكشاف: الهاء أبدلت ألفا وظاهره أنه مذهب ثالث؟ قلت: كلا إذ مراده كما قال بعض العظماء أبدلت الهاء همزة وهي ألفا وبدل البدل بدل فرجع إلى الأول وخص استعماله بعد القلب أو مطلقا بمن له شرف ورفعة من ذوي العقول أي ما نزل منزلتهم للإهتمام بشأنه فلا يرد النقض بنحو: وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك دينا كآل النبي أو دينا كآل فرعون أشار إليه المحققون منهم البيضاوي وبه عرف أن قول البعض إنما قيل آل فرعون لتصورهم بصورة الأشراف أو لشرفه في قومه تكلف مستفنى عنه نعم هو في التنزيل وارد على منهج التهكم كما بينه صاحب القاموس في شرح خطبة الكشاف على حد: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} على أن الاختصاص المذكور غالبي فقد سمع استعماله في غير ذي عقل لشرفه في جنسه كقوله في فرس ليس في العرب أفحل منه ولا أكثر نسلا. . . صوت حصانا كان من آل أعوجا