142 - (اتقوا) إرشادا (صاحب الجذام كما يتقى السبع) وفي رواية الأسد أي احذروا مخالطته وتجنبوا قربه وفروا منه كفراركم من الأسود الضارية والسباع العادية حتى أنه (إذا هبط واديا فاهبطوا غيره) مبالغة في التباعد عنه (فإن قلت) لم خص الأسد دون الحية ونحوها الأعظم ضررا (قلت) فيه مناسبة لطيفة وهي أنه يسمى داء الأسد ومما قيل في توجيه التسمية أن العلة كثيرا ما تعتريه وأنها تحمر وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد وفيه إشارة أيضا إلى أنه يفترس من يعديه ويدنو منه افتراس الأسد بقوته والحية إنما تقتل بسمها لا بعزمها (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب أول ولد للمهاجرين بالحبشة وكان آية في الكرم بحيث يضرب به المثل وله صحبة رمز المؤلف لضعفه لكن يشهد له ما قبله
143 - (اتقوا النار) أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية أي حجابا من الصدقة (ولو) كان الاتقاء بالتصدق (ب) شيء قليل جدا مثل (شق تمرة) بكسر المعجمة أي جانبها أو نصفها فإنه يفيد فقد يسد الرمق للطفل فلا يحتقر المتصدق ذلك فلو هنا للتقليل كما تقرر وهو معدود من معانيها كما في المغني عن اللخمي وغيره وقد ذكر التمرة دون غيرها كلقمة طعام لأن التمر غالب قوت أهل الحجاز والاتقاء من النار كناية عن محو الذنوب {إن الحسنات يذهبن السيئات} " أتبع السيئة الحسنة تمحها " وبالجملة ففيه حث على التصدق ولو بما قل وهذا الحديث صدره محذوف ولفظ رواية الشيخين عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة متفق عليه
(ق ن عن عدي بن حاتم) ابن عبد الله بن سعد الطائي الجواد ابن الجواد أسلم سنة سبع ونزل في سبسانة منعزلا (حم عن عائشة) الصديقية (البراز) في مسنده (طس والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك (البراز) في مسنده أيضا (عن النعمان بن بشير) بموحدة مفتوحة ومعجمة مكسورة الأنصاري (وعن أبي هريرة) الدوسي (طب عن ابن عباس) ابن عم المصطفى (وعن أبي أمامة) الباهلي واكثار المؤلف من مخرجيه مع وجوده في الصحيحين لا حاجة إليه لكنه حاول التنبيه بذلك على أنه متواتر وبه أفصح في الأحاديث المتواترة
144 - (اتقوا النار) أي احترزوا منها بالتقوى التي هي تجنب المخالفات لئلا يصيبكم ويواقعكم عذابها قال الحراني: وجهنم هي عدة الملك الديان لأهل العصيان بمنزلة سيف الملك من ملوك الدنيا (ولو بشق تمرة) واحدة فإنه يسد الرمق (فإن لم تجدوا) ما تتصدقون به حتى التافه لفقده حسا أو شرعا (فبكلمة) أي فاتقوا النار بكلمة (طيبة) تطيب قلب السائل مما يتلطف به في القول والفعل فإن ذلك سبب للنجاة من النار وقيل الكلمة الطيبة ما يدل على هدي أو يرد عن ردي أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أو يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع تأثيرا أو يسكن غضبا واستدل الشافعية بهذا الخبر وما قبله على أنه لو قال لزيد عندي شيء وفسره بما لا يتمول كحبة بر وشق تمرة قبل (تتمة) قال ابن عربي وشيء ببعض شيوخنا بالمغرب عند السلطان في أمر فيه هلاكه فأمر بعقد مجلس وأن الناس إن أجمعوا على حل -[139]- قتله قتل فجمعوا فاجتمعوا فاحضرهم ليشهدوا في وجهه فيقتل فلم يستطع أحد منهم أن يشهد فسئل الشيخ بعد فقال: تذكرت النار فرأيتها أقوى من الناس غضبا وتذكرت نصف رغيف فرأيته أكثر من نصف تمرة فأسكتت غضبهم بالتصدق بنصف رغيف في طريقي فدفعت الأقل من النار بالأكثر من شق تمرة وفي رواية للخطيب بدل طيبة لينة وفيه حث على الصدقة بما قل وجل وأن لا يحتقر ما يتصدق به وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار
(حم ق عن عدي) بن حاتم قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه ثلاثا ثم ذكره