-[118]- 111 - (اتركوا) بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء (الحبشة) بالتحريك جيل من السودان معروف والواحد حبشي والحبش بضم فسكون اسم جنس ولهذا صغر على حبيش قال ابن حجر: ويقال إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام بن نوح وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر وقد غلبوا على اليمن قبل الإسلام وملكوها وغزا أبرهة من ملوكهم الكعبة ومعه الفيل (ما تركوكم) أي مدة دوام تركهم لكم لما يخاف من شرهم كما يشير إليه قوله (فإنه لا يستخرج) أي لا يستنبط والاستخراج الاستنباط وهو ما أظهر بعد خفاء (كنز الكعبة) أي المال المدفون فيها حين يهدمها حجرا حجرا ويلقي حجارتها في البحر كما جاء في خبر آخر والكعبة اسم للبيت الحرام سمي به لتكعبه وهو تربيعه وكل بناء مربع مرتفع كعبة وقيل لاستدارتها وعلوها وقيل لكونها على صورة الكعب (إلا ذو السويقتين من الحبشة) تثنية سويقة مصغرا قال الطيبي: وسر التصغير الإشارة إلى أن مثل هذه الكعبة المعظمة يهتك حرمتها مثل هذا الحقير الذميم الخلقة ويحتمل أن يكون الرجل اسمه ذلك أو أنه وصف له أي رجل من الحبشة دقيق الساقين رقيقهما جدا والحبشة وإن كان شأنهم دقة السوق لكن هذا يتميز بمزيد من ذلك ولا يعارضه قوله تعالى {حرما آمنا} لأن معناه آمنا إلى قرب يوم القيامة فإن هذا التخريب يكون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام على ما ذكره بعضهم فيأتي إليه الصريخ فيبعث إليه. وقال الحليمي: بل بعد موته وبعد رفع القرآن ورجحه بعض الأعيان وجمع بحمل الأول على أنه يهدم بعضه في زمن عيسى فيبعث إليه فيهرب ثم بعد موته ورفع القرآن يعود ويكمل هدمه إشارة إلى رفع معالم الدين من أصلها
(د ك) في الفتن وكذا البيهقي (عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته اغترارا بتصحيح الحاكم وهو وهم فقد أعله الحافظ عبد الحق بأن فيه زهير بن محمد شيخ أبي داود كان سيء الحفظ لا يحتج بحديثه
112 - (اتركوا الدنيا لأهلها) أي صيروها من قبيل المتروك الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال ولا تذهب النفس إليه لخسته والمراد بالدنيا الدنانير والدراهم أو المطعم والمشرب والملبس ومتعلقات ذلك أي التوسع في ذلك والتهافت على أخذ ما فوق الكفاية وأما تفسيره بحب الجياة فلا يلائم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق قال الفاكهي: ودنيا كل إنسان بحسب حاله فكلام الشيخ بين طلبته والأمير بين جنده دنيا بالنسبة لهم إلا أن يقصدوا به أمرا أخرويا وذا لا يكاد يكون إلا من موفق لاح له من علم الآخرة لائح فاشتاق لمولاه وغلب شيطانه وهواه وذكر الغزالي أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر برجل نائم ملتف بعباءة فقال: يا نائم قم فاذكر الله تعالى قال: ما تريد مني وقد تركت الدنيا لأهلها فقال: نم إذا يا حبيبي نم (فإنه) أي الشأن (من أخذ منها) مقدارا (فوق ما) أي القدر الذي (يكفيه) أي زائدا على الذي يحتاجه لنفسه والممونة من نحو مأكل ومشرب وملبس ومسكن وخادم ومركب وآنية تليق به وبهم (أخذ من حتفه) أي أخذ في أسباب هلاكه والحتف الهلاك قال الزمخشري: قالوا المرء يسعى ويطوف وعاقبته الحتوف قيل هو مصدر بمعنى الحتف وهو القضاء وفي الصحاح الحتف الموت يقال مات حتف أنفه إذا مات بغير قتل ولا ضرب وفي النهاية هو أن يموت على فراشه كأن سقط فمات والحتف الهلاك وخص الأنف لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه (وهو لا يشعر) أي والحال أنه لا يدري ولا يحس بذلك ولا يتوقعه لتمادي غفلته. والشعور الإحساس ومشاعر الإنسان حواسه ومنه الشعار وما شعرت به ما فطنت له وما علمته وليت شعري ما كان منه وما يشعركم وما يدريكم ذكره الزمخشري فهلاك هذا الدين وسلوك سبيل الناجين الزهد فيها والإعراض عنها والاقتصار على الكفاف قال الغزالي: وإنما كانت الزيادة على قدر الكفاية مهلكة لأن ذلك يدعو إلى المعاصي فإنها تمكن منها -[119]- ومن العصمة أن لا يقدر ولأنه يدعو إلى التنعم بالمباحات وهو أقل الدرجات فينبت على التنعيم جسده ولا يمكنه للصبر عنه وذلك لا يمكن استدامته إلا بالاستعانة بالخلق والالتجاء إلى الظلمة وهو يدعو إلى النفاق والكذب والرياء والعداوة والبغضاء ولأنه ينهى عن ذكر الله تعالى الذي هو أساس السعادة الأخروية انتهى. ولهذا كان محط نظر السلف الصالح التجرد المطلق عن علائقها أما الأخذ منها بقدر الكفاية لمن ذكر فلا ضير فيه بل قد يجب بل له أخذ ما زاد على كفايته بقصد صرف الفاضل في وجوه البر إن وثق من نفسه بالوفاء بذلك القصد فمثال المال كحية فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها من يعرف وجه التحرز عن سمها وطريق استخراج ترياقها النافع كانت عليه نعمة وإن أصابها من لم يعرف ذلك فهي عليه نقمة وهي كبحر تحته صنوف الجواهر فمن كان عارفا بالسباحة وطرق الغوص والتحرز عن مهلكات البحر فقد ظفر بنعمة وإن غاصه جاهل بذلك تورط في المهالك هذا غاية البيان وليس قربة وراء عمان
(فر عن أنس) رمز المصنف لضعفه وذلك لأن فيه من لا يعرف لكن فيه شواهد تصيره حسنا لغيره