98 - (اتخذ الله إبراهيم خليلا) اصطفاه وخصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله من تردد الرسل بالرحمة بينه وبينه وإجابة الدعوة وإظهار الخوارق عليه وعلى آله والنصر على أعدائه وغير ذلك من المزايا والمواهب والخليل المخالل وهو الذي يخاللك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخل الطريق في الرمل أو يسد خللك كما تسد خلله أو يدخلك خلال منزله ذكره الزمخشري وقال القاضي سمي خليلا من الخلة بالفتح الخصلة فإنه وافقه في خصاله أو من الخلة بالفتح أيضا الحاجة لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته عليه أو من الخلة بالضم وهي التخلل فإن الحب تخلل شغاف قلبه بحيث لم يدع به خلالا إلا ملأه لما خالله من أسرار الهيبة ومكنون الغيوب والمعرفة لاصطفائه عن أن يطرقه نظر لغيره قال الراغب: الخلة تنسب إلى العبد لا إليه تعالى فيقال إبراهيم خليل الله ولا يقال الله خليله وهو وإن كان من الأسماء المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر وارتفاعه ارتفاعه لكن ليس المراد بقولهم إبراهيم خليل الله مجرد الصداقة بل الفقر إليه وخص إبراهيم وإن شاركه كل موجود في افتقاره إليه لأنه لما استغنى عن المقتنيات من أعراض الدنيا واعتمد على الله حقا وصار بحيث إنه لما قال له جبريل ألك حاجة قال أما إليك فلا فصبر على إلقائه في النار وعرض ابنه للذبح لاستغنائه عما سواه فخص بهذا الاسم (وموسى) بن عمران (نجيا) خصه بالنجوى أي الخطاب والنجي المناجي الواحد وهو الذي يخاطب الإنسان ويحدثه سرا وهو من قوله تعالى {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا} والتناجي التساور (واتخذني حبيبا) فعيل بمعنى مفعول وقضية السياق أنه أعلى درجة من الأوصاف المثبتة لغيره ممن ذكر من الأنبياء (ثم قال وعزتي) قوتي وغلبتي (وجلالي) عظمتي والجلالة عظم القدر والجلال بغير هاء التناهي في ذلك وخص بالله فلا يطلق على غيره كما سيجيء (لأوثرن) بلام القسم وضم الهمزة وشد النون لأفضلن (حبيبي على خليلي) إبراهيم (ونجيي) أي مناجي موسى نبه به على أنه أفضل الرسل وأكملهم وجامع لما تفرق فيهم فالحبيب خليل ومكلم ومشرف وقيل من قاس الحبيب بالخليل فقد أبعد لأن الحبيب من جهة القلب يقال حببته أي أصبت حبه قلبه كما يقال كبدته ورأسته وفأدته أي أصبت كبده ورأسه وفؤاده والخليل من الخلة وهي الحاجة كما مر وقد آثره أيضا بالنظر روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس بإسناد حسن جعل الله الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم قال الراغب يستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضيل والاستئثار للتفرد بالشيء دون غيره والأكثر على أن درجة المحبة أرفع وقيل عكسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى ثبوت الخلة لغير ربه وأثبت المحبة لفاطمة وابنيها وغيرهم وقيل هما سواء
(هب) في كتاب البعث والحكم والديلمي وابن عساكر (عن أبي هريرة) وضعفه مخرجه البيهقي وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال تفرد به مسلمة الخشني وهو متروك والحمل فيه عليه ونوزع بأن مجرد الضعف أو الترك لا يوجب الحكم بالوضع
99 - (اتخذوا) خذوا أخذ معتن بالشيء مجتهد فيه والأمر للندب المؤكد (السراويلات) التي ليست بواسعة ولا طويلة جمع -[110]- سراويل أعجمي عرب جاء بلفظ الجمع وهو مفرد يذكر ويؤنث والسراوين بنون والشراويل بشين معجمة لغة (فإنها من أستر ثيابكم) أي أكثرها سترا ومن مزيدة لسترها للعورة التي يسيء صاحبها كشفها وفيه ندب لبس السراويل لكن إذا لم تكن واسعة ولا طويلة فإنها مكروهة كما جاء في خبر آخر وفي تفسير ابن وكيع أن إبراهيم أول من تسرول قال الداراني: لما اتخذ الله إبراهيم خليلا أوحى إليه أن وار عورتك من الأرض فكان لا يتخذ من كل شيء إلا واحدا سوى السراويل فيتخذ اثنين فإذا غسل أحدهما لبس الآخر حتى لا يأتي عليه حال إلا وعورته مستورة به وروى أبو يعلى أن عثمان لما حوصر أعتق عشرين رقبة ثم دعا بسراويل فشدها عليه ولم يلبسها في الجاهلية ولا في الإسلام ثم قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام وأبا بكر وعمر وقالوا: اصبر فإنك تفطر عندنا الليلة القابلة ثم دعا بالمصحف فنشره بين يديه فقتل وهو بين يديه فدل هذا على أنه أبلغ ما تستر به العورة لأنه لم يلبسه إلا عند تحققه أنه مقتول فآثره لأنه أبلغ في صون عورته عن أن يطلع عليها أحد عند قتله (وحصنوا) استروا (بها نساءكم) أي صونوا بها عورات نسائكم يقال حصن نفسه وماله ومدينة حصينة وتحصن اتخذ الحصن مسكنا ثم يتجوز به في كل تحرز ومنه درع حصين لكونه حصنا للبدن (إذا خرجن) من بيوتهن لما فيها من الأمن من انكشاف العورة بنحو سقوط أو ريح فهو كحصن مانع وكالخروج وجود أجنبي مع المرأة بالبيت ذكره جمع. قالوا: ولم يثبت أن نبيا لبسها لكن روى أحمد والأربعة أنه اشتراها وقول ابن القيم الظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها وهم فقد يكون اشتراها لبعض نسائه وقول ابن حجر في شرائه لغيره بعد غير مرضى إذ لا استبعاد في شرائه لعياله وما رواه أبو يعلى وغيره أنه أخبر عن نفسه بأنه لبسه فسيجيء أنه موضوع فلا يتجه القول بندب لبس السراويل حينئذ لأنه حكم شرعي لا يثبت إلا بحديث صحيح أو حسن ومن وهم أن في خبر لا يلبس المحرم السراويل دليل لسن لبسه للرجل فقد وهم إذ لا يلزم من نهي المحرم عن لبسه لكونه مخيطا ندب لبسه لغيره
(عق عد والبيهقي في) كتاب (الأدب) كلهم (عن علي) أمير المؤمنين قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع في يوم دجن أي غيم ومطر فمرت امرأة على حمار فسقطت فأعرض عنها فقالوا: إنها متسرولة فذكره في حديث طويل ثم أعله مخرجاه العقيلي وابن عدي بمحمد بن زكريا العجلي فقال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع إلا عليه وقال أبو حاتم: حديثه منكر وقال ابن عدي: حدث بالبواطيل ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه لكن تعقبه ابن حجر بأن البزار والمحاملي والدارقطني رووه من طريق آخر قال: فهو ضعيف لا موضوع وذكر نحوه المؤلف في مختصر الموضوعات