responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح الباري نویسنده : العسقلاني، ابن حجر    جلد : 11  صفحه : 498
أَبَدَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ مِنَ الْحِكَمِ الْمَذْكُورَةِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْقِصَّةِ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى التَّسْلِيَةِ عَنِ الْمَيِّتِ بِأَنَّهُ مَاتَ بِفَرَاغِ أَجَلِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاءَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ الْقَدِيمِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْجَبْرِيَّةِ لِأَنَّ التَّيْسِيرَ ضِدُّ الْجَبْرِ لِأَنَّ الْجَبْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ كُرْهٍ وَلَا يَأْتِي الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ بِطَرِيقِ التَّيْسِيرِ إِلَّا وَهُوَ غَيْرُ كَارِهٍ لَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِمْكَانِ مَعْرِفَةِ الشَّقِيِّ مِنَ السَّعِيدِ فِي الدُّنْيَا كَمَنِ اشْتُهِرَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ وَعَكْسُهُ لِأَنَّ الْعَمَلَ أَمَارَةٌ عَلَى الْجَزَاءِ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ وَرُدَّ بِمَا تقدم فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ الظَّاهِرَ قَدْ يَنْقَلِبُ لِعَكْسِهِ عَلَى وَفْقِ مَا قُدِّرَ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَامَةٌ وَأَمَارَةٌ فَيُحْكَمُ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَأَمْرُ الْبَاطِنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمَّا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبْقِ الْكَائِنَاتِ رَامَ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْقَدَرِ أَنْ يَتَّخِذَهُ حُجَّةً فِي تَرْكِ الْعَمَلِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ لَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بَاطِنٌ وَهُوَ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ فِي حُكْمِ الرُّبُوبِيَّةِ وَظَاهِرٌ وَهُوَ الْعَلَامَةُ اللَّازِمَةُ فِي حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ أَمَارَةٌ مُخَيَّلَةٌ فِي مُطَالَعَةِ عِلْمِ الْعَوَاقِبِ غَيْرُ مُفِيدَةٍ حَقِيقَةً فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَأَنَّ عَمَلَهُ فِي الْعَاجِلِ دَلِيلٌ عَلَى مَصِيرِهِ فِي الْآجِلِ وَلِذَلِكَ مَثَّلَ بِالْآيَاتِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ الرِّزْقُ مَعَ الْأَمْرِ بِالْكَسْبِ وَالْأَجَلُ مَعَ الْإِذْنِ فِي الْمُعَالَجَةِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هَذَا الْحَدِيثُ إِذَا تَأَمَّلْتَهُ وَجَدْتَ فِيهِ الشِّفَاءَ مِمَّا يُتَخَالَجُ فِي الضَّمِيرِ مِنْ أَمْرِ الْقَدَرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ أَفَلَا نَتَّكِلُ وَنَدَعُ الْعَمَلَ لَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِمَّا يَدْخُلُ فِي أَبْوَابِ الْمُطَالَبَاتِ وَالْأَسْئِلَةِ إِلَّا وَقَدْ طَالَبَ بِهِ وَسَأَلَ عَنْهُ فَأَعْلَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْبَابِ مَتْرُوكٌ وَالْمُطَالَبَةَ سَاقِطَةٌ وَأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْأُمُورَ الَّتِي عُقِلَتْ مَعَانِيهَا وَجَرَتْ مُعَامَلَةُ الْبَشَرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَيْهَا بَلْ طَوَى اللَّهُ عِلْمَ الْغَيْبِ عَنْ خَلْقِهِ وَحَجَبَهُمْ عَنْ دَرْكِهِ كَمَا أَخْفَى عَنْهُمْ أَمْرَ السَّاعَةِ فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى حِينُ قِيَامِهَا انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ بن السَّمْعَانِيِّ فِي نَحْوِ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَدَرِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَجْهُ الِانْفِصَالِ عَنْ شُبْهَةِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِالْعَمَلِ فَوَجَبَ عَلَيْنَا الِامْتِثَالَ وَغَيَّبَ عَنَّا الْمَقَادِيرَ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ وَنَصَبَ الْأَعْمَالَ عَلَامَةً عَلَى مَا سَبَقَ فِي مَشِيئَتِهِ فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ ضَلَّ وَتَاهَ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ فَإِذَا أَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ كَشَفَ لَهُمْ عَنْهُ حِينَئِذٍ وَفِي أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَإِنْ صَدَرَتْ عَنْهُمْ لَكِنَّهَا قَدْ سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ بِوُقُوعِهَا بِتَقْدِيرِهِ فَفِيهَا بُطْلَانُ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ صَرِيحًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

نام کتاب : فتح الباري نویسنده : العسقلاني، ابن حجر    جلد : 11  صفحه : 498
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست