responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح الباري نویسنده : العسقلاني، ابن حجر    جلد : 11  صفحه : 274
(قَوْلُهُ بَابُ فَضْلِ الْفَقْرِ)
قِيلَ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا إِلَى تَحْقِيقِ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي تَفْضِيلِ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى أَوْ عَكْسِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ الْحَصْرُ فِي ذَلِكَ فَيُحْمَلُ كُلُّ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْغِنَى عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيَّ النَّفْسِ لَمْ يَكُنْ مَمْدُوحًا بَلْ يَكُونُ مَذْمُومًا فَكَيْفَ يَفْضُلُ وَكَذَا مَا وَرَدَ مِنْ فَضْلِ الْفَقْرِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيَّ النَّفْسِ فَهُوَ فَقِيرُ النَّفْسِ وَهُوَ الَّذِي تَعَوَّذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَالْفَقْرُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ عَدَمُ الْمَالِ وَالتَّقَلُّلُ مِنْهُ وَأَمَّا الْفَقْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيّ الحميد فَالْمُرَادُ بِهِ احْتِيَاجُ الْمَخْلُوقِ إِلَى الْخَالِقِ فَالْفَقْرُ لِلْمَخْلُوقِينَ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ لِأَحَدٍ وَيُطْلَقُ الْفَقْرُ أَيْضًا عَلَى شَيْءٍ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الصُّوفِيَّةُ وَتَفَاوَتَتْ فِيهِ عِبَارَاتُهُمْ وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ نَفْضُ الْيَدِ مِنَ الدُّنْيَا ضَبْطًا وَطَلَبًا مَدْحًا وَذَمًّا وَقَالُوا إِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ سَوَاءٌ حَصَلَ فِي يَدِهِ أَمْ لَا وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ الْمَاضِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ أَنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ وَالْمُرَادُ بِالْفَقْرِ هُنَا الْفَقْرُ مِنَ الْمَالِ وَقد تكلم بن بَطَّالٍ هُنَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ فَقَالَ طَالَ نِزَاعُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ وَاحْتَجَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحِيحِ وَالْوَاهِي وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ الْغِنَى بِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا بِبَابٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْأَقَلُّونَ إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَحَدِيثِ سَعْدٍ الْمَاضِي فِي الْوَصَايَا إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً وَحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حَيْثُ اسْتَشَارَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَالِهِ كُلِّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ وَحَدِيثِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ وَفِي آخِرِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْتُ فِي هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ الدَاوُدِيِّ الْفَقْرُ وَالْغِنَى مِحْنَتَانِ مِنَ اللَّهِ يَخْتَبِرُ بِهِمَا عِبَادَهُ فِي الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عملا وَقَالَ تَعَالَى ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة وَثَبت أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ مُتَقَابِلَانِ لِمَا يَعْرِضُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي فَقْرِهِ وَغِنَاهُ مِنَ الْعَوَارِضِ فَيُمْدَحُ أَوْ يُذَمُ وَالْفَضْلُ كُلُّهُ فِي الْكَفَافِ لِقولِهِ تَعَالَى وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تبسطها كل الْبسط وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ أَسْأَلُكَ غِنَايَ وَغِنَى هَؤُلَاءِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا الْحَدِيثَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِهِ الْكَفَافَ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَمِمَّنْ جَنَحَ إِلَى تَفْضِيلِ الْكَفَافِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ الْحَالَاتِ الثَّلَاثَ الْفَقْرَ وَالْغِنَى وَالْكَفَافَ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوَّلَ حَالَاتِهِ فَقَامَ بِوَاجِبِ ذَلِكَ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ ثُمَّ فُتِحَتْ عَلَيْهِ الْفُتُوحُ فَصَارَ بِذَلِكَ فِي حَدِّ الْأَغْنِيَاءِ فَقَامَ بِوَاجِبِ ذَلِكَ مِنْ بَذْلِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَالْمُوَاسَاةِ بِهِ وَالْإِيثَارِ مَعَ اقْتِصَارِهِ مِنْهُ عَلَى مَا يَسُدُّ ضَرُورَةَ عِيَالِهِ وَهِيَ صُورَةُ الْكَفَافِ الَّتِي

نام کتاب : فتح الباري نویسنده : العسقلاني، ابن حجر    جلد : 11  صفحه : 274
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست