نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 9 صفحه : 296
بِظهْرٍ لَبَّيْنَا بالحَجِّ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لبينا) ، فَإِنَّهُ جملَة حَالية وَمَعْنَاهَا: جعلنَا مَكَّة من وَرَاءَنَا فِي يَوْم التَّرويَة حَال كوننا ملبين بِالْحَجِّ، فَعلم أَنهم حِين الْخُرُوج مِنْهَا كَانُوا محرمين. قَوْله: (وَقَالَ عبد الْملك) ، قَالَ الْكرْمَانِي: عبد الْملك هَذَا هُوَ ابْن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر أَنه هُوَ عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان. قلت: يحْتَمل كلا مِنْهُمَا، وَلَكِن هَذَا وَصله مُسلم من طَرِيق عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِي عَن عَطاء بن أبي رَبَاح (عَن جَابر: أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة أمرنَا أَن نحل ونجعلها عمْرَة، فَكبر ذَلِك علينا) الحَدِيث، وَفِيه: (حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم التَّرويَة وَجَعَلنَا مَكَّة بِظهْر أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) . قَوْله: (حَتَّى يَوْم التَّرويَة) ، يَوْم، مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة، أَي: حَتَّى فِي يَوْم التَّرويَة. قَوْله: (بِظهْر) أَي: جعلنَا مَكَّة وَرَاء ظُهُورنَا.
وَقَالَ أبُو الزُّبَيْرِ عنْ جابِرٍ أهْلَلْنَا مِنَ البَطْحَاءِ
أَبُو الزبير هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَضم الرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة، الْمَكِّيّ، وَقد مر فِي: بَاب من شكا إِمَامه، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَحْمد فِي (مُسْنده) وَمُسلم فِي (صَحِيحه) من طَرِيق ابْن جريج عَنهُ (عَن جَابر، قَالَ: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَحللنَا أَن نحرم إِذا توجهنا إِلَى منى، قَالَ: فأهللنا من الأبطح) .
وَقَالَ عُبَيْدُ بنُ جُرَيْجٍ لإبنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا رَأيْتُكَ إذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أهَلَّ النَّاسَ إذَا رَأوُا الْهِلاَلَ ولَمْ تُهِلَّ أنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقال لَمْ أرَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ
عبيد بِضَم الْعين، وجريج بِضَم الْجِيم مر ذكره فِي: بَاب غسل الرجلَيْن فِي النَّعْلَيْنِ فِي كتاب الْوضُوء، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي: بَاب غسل الرجلَيْن فِي النَّعْلَيْنِ مطولا، فَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن سعيد المَقْبُري عَن عبيد بن جريج أَنه قَالَ لعبد الله بن عمر: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن! رَأَيْتُك تصنع أَرْبعا ... الحَدِيث، وَقَالَ ابْن بطال: أما وَجه احتجاج ابْن عمر بإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي الحليفة، وَهُوَ غير مكي، على من أنشأ الْحَج من مَكَّة، أَنه يجب أَن يهل يَوْم التَّرويَة، وَهِي قصَّة أُخْرَى، فَوجه ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل من مِيقَاته فِي حِين ابْتِدَائه فِي عمل حجَّته من أصل عمله، وَلم يكن فيهمَا مكث يقطع بِهِ الْعَمَل، فَكَذَلِك الْمَكِّيّ لَا يهل إلاَّ يَوْم التَّرويَة الَّذِي هُوَ أول عمله ليتصل لَهُ عمله تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخِلَاف مَا لَو أهل من أول الشَّهْر، وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يهل أحد من مَكَّة بِالْحَجِّ حَتَّى يُرِيد الرواح إِلَى منى، وَالله أعلم.