نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 8 صفحه : 292
مُسلم من حَدِيث يزِيد بن عبيد، قَالَ: سَمِعت عُمَيْرًا مولى أبي اللَّحْم قَالَ: أَمرنِي مولَايَ أَن أقدد لَحْمًا، فجَاء مِسْكين فأطعمته مِنْهُ، فَعلم مولَايَ بذلك فضربني، فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ ضَربته؟ قَالَ: يُعْطي طَعَامي من غير أَن آمره. فَقَالَ: الْأجر بَيْنكُمَا. قلت: مَعْنَاهُ: بَيْنكُمَا قِسْمَانِ، وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر، وَأَشَارَ القَاضِي عِيَاض إِلَى أَنه يحْتَمل أَيْضا أَن يكون سَوَاء، لِأَن الْأجر فضل من الله تَعَالَى، وَلَا يدْرك بِقِيَاس وَلَا هُوَ بِحَسب الْأَعْمَال، وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمُخْتَار الأول. قَوْله: (لَا ينقص بَعضهم أجر بعض شَيْئا) شَيْئا: مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله: (لَا ينقص) ، وَقَوله: أجر، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: من أجر بعض، أَو هُوَ مفعول أول لقَوْله: لَا ينقص، لِأَنَّهُ ضد يزِيد وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين، قَالَ تَعَالَى: {فَزَادَهُم الله مَرضا} (الْبَقَرَة: 01) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اخْتلف النَّاس فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ بَعضهم: هَذَا على مَذْهَب النَّاس بالحجاز، وبغيرها من الْبلدَانِ: إِن رب الْبَيْت قد يَأْذَن لأَهله وَعِيَاله وللخادم فِي الْإِنْفَاق بِمَا يكون فِي الْبَيْت من طَعَام أَو أدام، وَيُطلق أَمرهم فِيهِ إِذا حَضَره السَّائِل وَنزل الضَّيْف، وحضهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على لُزُوم هَذِه الْعَادة وَوَعدهمْ الثَّوَاب عَلَيْهِ، وَقيل: هَذَا فِي الْيَسِير الَّذِي لَا يُؤثر نقصانه وَلَا يظْهر، وَقيل: هَذَا إِذا علم مِنْهُ أَنه لَا يكره الْعَطاء فيعطي مَا لم يجحف، وَهَذَا معنى قَوْله: غير مفْسدَة، وَفرق بَعضهم بَين الزَّوْجَة وَالْخَادِم: بِأَن الزَّوْجَة لَهَا حق فِي مَال الزَّوْج وَلها النّظر فِي بَيتهَا، فَجَاز لَهَا أَن تَتَصَدَّق بِمَا لَا يكون إسرافا، لَكِن بِمِقْدَار الْعَادة، وَمَا يعلم أَنه لَا يؤلم زَوجهَا. فَأَما الْخَادِم فَلَيْسَ لَهُ تصرف فِي مَتَاع مَوْلَاهُ وَلَا حكم، فَيشْتَرط الْإِذْن فِي عَطِيَّة الْخَادِم دون الزَّوْجَة. فَإِن قلت: أَحَادِيث هَذَا الْبَاب جَاءَت مُخْتَلفَة. فَمِنْهَا: مَا يدل على منع الْمَرْأَة أَن تنْفق من بَيت زَوجهَا إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَهُوَ حَدِيث أبي أُمَامَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدثنَا هناد حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش حَدثنَا شُرَحْبِيل بن مُسلم الْخَولَانِيّ (عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي خطبَته عَام حجَّة الْوَدَاع: لَا تنْفق امْرَأَة شَيْئا من بَيت زَوجهَا إلاَّ بِإِذن زَوجهَا. قيل: يَا رَسُول الله وَلَا الطَّعَام؟ قَالَ: ذَاك أفضل أَمْوَالنَا) . وَقَالَ: حَدِيث حسن وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا. وَمِنْهَا: مَا يدل على الْإِبَاحَة بِحُصُول الْأجر لَهَا فِي ذَلِك، وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور. وَمِنْهَا: مَا قيد فِيهِ التَّرْغِيب فِي الْإِنْفَاق بِكَوْنِهِ بِطيب نفس مِنْهُ، وبكونها غير مفْسدَة، وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة أَيْضا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مَسْرُوق عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أَعْطَتْ الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا بِطيب نفس غير مفْسدَة. .) الحَدِيث. وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد بِكَوْنِهَا غير مفْسدَة، وَإِن كَانَ من غير أمره، وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تصم الْمَرْأَة وبعلها شَاهد إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأذن فِي بَيته وَهُوَ شَاهد إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَمَا أنفقت من كَسبه من غير أمره فَإِن نصف أجره لَهُ) . وَمِنْهَا: مَا قيد الحكم فِيهِ بِكَوْنِهِ رطبا، وَهُوَ حَدِيث سعد ابْن أبي وَقاص، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زِيَاد بن جُبَير (عَن سعد، قَالَ: لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النِّسَاء قَامَت امْرَأَة جليلة كَأَنَّهَا من نسَاء مُضر فَقَالَت: يَا نَبِي الله أنأكل من عمل آبَائِنَا وأبنائنا؟) قَالَ أَبُو دَاوُد: وَأرى فِيهِ (وَأَزْوَاجنَا فَمَا يحل لنا من أَمْوَالهم؟ قَالَ: الرطب تأكليه وتهديه) ، قَالَ أَبُو دَاوُد: الرطب الْخبز والبقل وَالرّطب. قلت: الرطب الأول، بِفَتْح الرَّاء وَالثَّانِي بضَمهَا، وَهُوَ رطب التَّمْر، وَكَذَلِكَ الْعِنَب وَسَائِر الْفَوَاكِه الرّطبَة دون الْيَابِسَة. قلت: كَيْفيَّة الْجمع بَينهمَا أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف عادات الْبِلَاد وباختلاف حَال الزَّوْج من مسامحته. وَرضَاهُ بذلك أَو كَرَاهَته لذَلِك، وباختلاف الْحَال فِي الشَّيْء الْمُنفق بَين أَن يكون شَيْئا يَسِيرا يتَسَامَح بِهِ، وَبَين أَن يكون لَهُ خطر فِي نفس الزَّوْج يبخل بِمثلِهِ، وَبَين أَن يكون ذَلِك رطبا يخْشَى فَسَاده إِن تَأَخّر، وَبَين أَن يكون يدّخر وَلَا يخْشَى عَلَيْهِ الْفساد.
81 - (بابٌ لاَ صَدَقَةَ إلاَّ عنْ ظَهْرِ غِنَى)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: لَا صَدَقَة إلاَّ عَن ظهر غنى، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة من طَرِيق عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: (لَا صَدَقَة إلاَّ عَن ظهر غنى) ، وَكَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي الْوَصَايَا تَعْلِيقا، وَلَفظ حَدِيث الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى) . قَالَ الْخطابِيّ: الظّهْر قد يُزَاد فِي مثل
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 8 صفحه : 292