responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 8  صفحه : 275
والقليل بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: (بشق تَمْرَة) ، من عطف الْعَام على الْخَاص، وَالتَّقْدِير: اتَّقوا النَّار وَلَو بِالْقَلِيلِ من الصَّدَقَة والقليل يَشْمَل شقّ التمرة وَغَيره.
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله وتَثْبِيتا مِنْ أنْفُسِهِمْ} (الْبَقَرَة: 562) . الْآيَة وَإلَى قَوْلِهِ {ومِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} (الْبَقَرَة: 662) .
ذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة لاشتمالها على قَلِيل النَّفَقَة وكثيرها. لِأَن قَوْله: {أَمْوَالهم} (الْبَقَرَة: 562) . يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير، وفيهَا حث على الصَّدَقَة مُطلقًا، فَذكرهَا يُنَاسب التَّبْوِيب، وَهَذَا مثل للْمُؤْمِنين الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم ابْتِغَاء مرضات الله عَنْهُم، والابتغاء: الطّلب. قَوْله: {وتثبيتا} (الْبَقَرَة: 562) . عطف على {ابْتِغَاء مرضات الله} (الْبَقَرَة: 562) . وَالتَّقْدِير: مبتغين ومتثبتين من أنفسهم بالإخلاص، وَذَلِكَ ببذل المَال الَّذِي هُوَ شَقِيق الرّوح، وبذله أشق شَيْء على النَّفس على سَائِر الْعِبَادَات الشاقة، وَكَأن إِنْفَاق المَال تثبيتا لَهَا على الْإِيمَان وَالْيَقِين. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: وتثبيتا من أنفسهم عِنْد الْمُؤمنِينَ أَنَّهَا صَادِقَة الْإِيمَان مخلصة فِيهِ، وتعضده قِرَاءَة مُجَاهِد: وتثبتا من أنفسهم. وَقَالَ الشّعبِيّ: تثبيتا من أنفسهم أَي: تَصْدِيقًا أَن الله سيجزيهم على ذَلِك أوفر الْجَزَاء، وَكَذَا قَالَه قَتَادَة وَأَبُو صَالح وَابْن زيد. وَقَالَ مُجَاهِد وَالْحسن: أَي يثبتون أَيْن يضعون صَدَقَاتهمْ. وَقَالَ الْحسن: كَانَ الرجل إِذا هم بِصَدقَة تثبت، فَإِن كَانَ لله أمضى وإلاَّ ترك. قَوْله: (الْآيَة) أَي إِلَى آخر الْآيَة. وَهُوَ قَوْله: {كَمثل حَبَّة بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وابل فآتت أكلهَا ضعفين فَإِن لم يصبهَا وابل فطل وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} (الْبَقر: 562) . قَوْله: {كَمثل حَبَّة} (الْبَقَرَة: 562) . خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي قَوْله: {مثل الَّذين يُنْفقُونَ} (الْبَقَرَة: 562) . أَي: كَمثل بُسْتَان كَائِن بِرَبْوَةٍ، وَهِي عِنْد الْجُمْهُور: الْمَكَان الْمُرْتَفع المستوي من الأَرْض، وَزَاد ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك: وتجري فِيهِ الْأَنْهَار. قَالَ ابْن جرير: وَفِي الربوة ثَلَاث لُغَات من ثَلَاث قراآت، بِضَم الرَّاء وَبهَا قَرَأَ عَامَّة أهل الْمَدِينَة والحجاز وَالْعراق، وَفتحهَا، وَهِي قِرَاءَة بعض أهل الشَّام والكوفة، وَيُقَال إِنَّهَا لُغَة بني تَمِيم، وَكسر الرَّاء وَيذكر أَنَّهَا قِرَاءَة ابْن عَبَّاس. وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَنَّهَا ربت وغلظت من قَوْلهم: رَبًّا الشَّيْء يَرْبُو إِذا زَاد وانتفخ. وَإِنَّمَا خص الربوة لِأَن شَجَرهَا أزكى وَأحسن ثمرا. قَوْله: {أَصَابَهَا وابل} (الْبَقَرَة: 562) . أَي: مطر عَظِيم الْقطر شَدِيد، وَهِي فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة ربوة. قَوْله: {فآتت أكلهَا} (الْبَقَرَة: 562) . أَي: ثَمَرهَا: {ضعفين} (الْبَقَرَة: 562) . أَي: مثلي مَا كَانَت تثمر بِسَبَب الوابل، وَيُقَال: أَي مضاعفا تحمل من السّنة مَا يحمل غَيرهَا من السنتين. قَوْله: {فَإِن لم يصبهَا} (الْبَقَرَة: 562) . أَي: تِلْكَ الْجنَّة الَّتِي بالربوة {وابلٌ فطلٌّ} (الْبَقَرَة: 562) . أَي: فَالَّذِي يُصِيبهَا طلُّ وَهُوَ أَضْعَف الْمَطَر. وَقَالَ الزّجاج: هُوَ الْمَطَر الدَّائِم الصغار الْقطر الَّذِي لَا يكَاد يسيل مِنْهُ المثاعب، وَقيل: الطل هُوَ الندى: وَقَالَ زيد بن أسلم: هِيَ أَرض مصر، فَإِن لم يصبهَا وابل زكتْ وَإِن أَصَابَهَا أضعفت، أَي: هَذِه الْجنَّة بِهَذِهِ الربوة لَا تمحل أبدا لِأَنَّهَا إِن لم يصبهَا وابل فطلٌّ أيا مَا كَانَ، فَهُوَ كفايتها، وَكَذَلِكَ عمل الْمُؤمنِينَ لَا يبور أبدا بل يتقبله الله مِنْهُ ويكثره وينميه لكل عَامل بِحَسبِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} (الْبَقَرَة: 562) . أَي: لَا يخفى عَلَيْهِ من أَعمال عباده شَيْء. قَوْله: (وَإِلَى قَوْله: {من كل الثمرات} (الْبَقَرَة: 662) . إِلَى آخِره، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة من نخيل وأعناب تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار لَهُ فِيهَا من كل الثمرات} (الْبَقَرَة: 662) . روى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: ضرب الله مثلا حسنا، وكل أَمْثَاله حسن، قَالَ: {أيود أحدكُم. .} (الْبَقَرَة: 662) . إِلَى آخِره، وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين. قَوْله: {أيود أحدكُم} (الْبَقَرَة: 662) . مُتَّصِل بقوله: {لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى} (الْبَقَرَة: 462) . وَإِنَّمَا قَالَ: {جنَّة من نخيل وأعناب} (الْبَقَرَة: 662) . لِأَن النخيل وَالْأَعْنَاب لما كَانَت من أكْرم الشّجر وأكثرها مَنَافِع خصهما بِالذكر، وَلَفظ: نخيل: جمع نَادِر، وَقيل: هُوَ جنس، وَتَمام الْآيَة: {وأصابه الْكبر وَله ذُرِّيَّة ضعفاء فأصابها إعصار فِيهِ نَار فاحترقت، كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات لَعَلَّكُمْ تتفكرون} (الْبَقَرَة: 662) . قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الهزة فِي: أيود، للإنكار. قَوْله: {وأصابه الْكبر} (الْبَقَرَة: 662) . الوا فِيهِ للْحَال: {وَله ذُرِّيَّة ضعفاء} (الْبَقَرَة: 662) . وقرىء: ضِعَاف. قَوْله: {إعصارا} (الْبَقَرَة: 662) . هُوَ الرّيح الَّتِي تستدير فِي الأَرْض ثمَّ تسطع نَحْو السَّمَاء كالعمود، وَهَذَا مثل لمن يعْمل الْأَعْمَال الْحَسَنَة لَا يَبْتَغِي بهَا وَجه الله، فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وجدهَا محبطة فيتحسر عِنْد ذَلِك حسرة من كَانَت لَهُ جنَّة من أبهى الْجنان وأجمعها للثمار، فَبلغ الْكبر وَله أَوْلَاد ضِعَاف وَالْجنَّة معاشهم ومنتعشهم، فَهَلَكت بالصاعقة. قَوْله: {كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات} (الْبَقَرَة: 662) . يَعْنِي: كَمَا بَين هَذِه الْأَمْثَال: {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} (الْبَقَرَة: 662) . بِهَذِهِ الْأَمْثَال وتعتبرون بهَا وتنزلونها على المُرَاد مِنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس وَمَا يَعْقِلهَا إلاَّ الْعَالمُونَ} (العنكبوت: 34) .

نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 8  صفحه : 275
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست