أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أسلم الصَّبِي فَمَاتَ قبل الْبلُوغ، هَل يصلى عَلَيْهِ أم لَا؟ هَذِه تَرْجَمَة. وَقَوله: وَهل يعرض على الصَّبِي الْإِسْلَام؟ تَرْجَمَة أُخْرَى.
أما التَّرْجَمَة الأولى: فَفِيهَا خلاف، فَلذَلِك لم يذكر جَوَاب الِاسْتِفْهَام، وَلَا خلاف أَنه يصلى على الصَّغِير الْمَوْلُود فِي الْإِسْلَام لِأَنَّهُ كَانَ على دين أَبَوَيْهِ، قَالَ ابْن الْقَاسِم: إِذا أسلم الصَّغِير وَقد عقل الْإِسْلَام فَلهُ حكم الْمُسلمين فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي حكم الصَّبِي إِذا أسلم أحد أَبَوَيْهِ على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: يتبع أَيهمَا أسلم، وَهُوَ أحد قولي مَالك، وَبِه أَخذ ابْن وهب، وَيصلى عَلَيْهِ إِن مَاتَ على هَذَا. وَالثَّانِي: يتبع أَبَاهُ وَلَا يعد بِإِسْلَام أمه مُسلما، وَهَذَا قَول مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) . وَالثَّالِث: تبع لأمه، وَإِن أسلم أَبوهُ، وَهَذِه مقَالَة شَاذَّة لَيست فِي مَذْهَب مَالك، وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء فِي الطِّفْل الْحَرْبِيّ يسبى وَمَعَهُ أَبَوَاهُ أَن إِسْلَام الْأُم إِسْلَام لَهُ، وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا لم يكن مَعَه أَبوهُ، أَو وَقع فِي الْقِسْمَة دونهمَا ثمَّ مَاتَ فِي ملك مُشْتَرِيه، فَقَالَ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) : لَا يصلى عَلَيْهِ إلاَّ أَن يُجيب إِلَى الْإِسْلَام بِأَمْر يعرف بِهِ أَنه عقله، وَهُوَ الْمَشْهُور من مذْهبه، وَعنهُ: إِذا لم يكن مَعَه أحد من آبَائِهِ وَلم يبلغ أَن يتدين أَو يدعى، وَنوى سَيّده الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يصلى عَلَيْهِ، وَأَحْكَامه أَحْكَام الْمُسلمين فِي الدّفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين والموارثة، وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَابْن دِينَار وإصبغ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ. وَفِي (شرح الْهِدَايَة) : إِذا سبي صبي مَعَه أحد أَبَوَيْهِ فَمَاتَ لم يصل عَلَيْهِ حَتَّى يقر بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ يعقل، أَو يسلم أحد أَبَوَيْهِ خلافًا لمَالِك فِي إِسْلَام الْأُم، وَللشَّافِعِيّ فِي إِسْلَامه هُوَ وَالْولد يتبع خير الْأَبَوَيْنِ دينا، وللتبعية مَرَاتِب أقواها تَبَعِيَّة الْأَبَوَيْنِ. ثمَّ الدَّار ثمَّ الْيَد. وَفِي (الْمُغنِي) : لَا يصلى على أَوْلَاد الْمُشْركين إِلَّا أَن يسلم أحد أبويهم أَو يَمُوت مُشْركًا، فَيكون وَلَده مُسلما أَو يسبى مُنْفَردا أَو مَعَ أحد أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يصلى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا سبى مَعَ أحد أَبَوَيْهِ لَا يصلى عَلَيْهِ إلاَّ إِذا أسلم، وَعنهُ إِذا أسر مَعَ أَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا أَو وَحده ثمَّ مَاتَ قبل أَن يخْتَار الْإِسْلَام يصلى عَلَيْهِ.
وَأما التَّرْجَمَة الثَّانِيَة: فَإِنَّهُ ذكرهَا هُنَا بِلَفْظ الإستفهام، وَترْجم فِي كتاب الْجِهَاد بِصِيغَة تدل على الْجَزْم بذلك، فَقَالَ: كَيفَ يعرض الْإِسْلَام على الصَّبِي؟ وَذكر فِيهِ قصَّة ابْن صياد، وَفِيه: وَقد قَارب ابْن صياد يَحْتَلِم، فَلم يشْعر حَتَّى ضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَهره بِيَدِهِ، ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله؟) الحَدِيث، وَفِيه عرض الْإِسْلَام على الصَّغِير، وَاحْتج بِهِ قوم على صِحَة إِسْلَام الصَّبِي إِن قَارب الِاحْتِلَام، وَهُوَ مَقْصُود البُخَارِيّ من تبويبه بقوله: وَهل يعرض على الصَّبِي الْإِسْلَام؟ وَجَوَابه: يعرض، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك، خلافًا للشَّافِعِيّ.
وَقَالَ الحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَإبْرَاهِيمُ وقَتَادَةُ إذَا أسْلَمَ أحَدُهُمَا فالوَلَدُ مَعَ المُسْلِمِ
مطابقته أثر هَؤُلَاءِ تحسن أَن تكون للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة، وَهِي قَوْله: وَهل يعرض على الصَّبِي الْإِسْلَام؟ فَإِن أَبَوَيْهِ إِذا أسلما أَو أسلم أَحدهمَا يكون مُسلما. وَأما أثر الْحسن الْبَصْرِيّ فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يحيى بن يحيى حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 8 صفحه : 168