أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول من قَالَ فِي الْخطْبَة بعد الثَّنَاء عَن الله عز وَجل كلمة: أما بعد، وَكَانَ البُخَارِيّ، رَحمَه الله، لم يجد فِي صفة خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة حَدِيثا على شَرطه، فاقتصر على ذكر الثَّنَاء وَاللَّفْظ وضع للفصل بَينه وَبَين مَا بعده من موعظة وَنَحْوهَا، وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس عَن سِيبَوَيْهٍ: معنى أما بعد، مهما يكن من شَيْء، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: إِذا كَانَ رجل فِي حَدِيث وَأَرَادَ أَن يَأْتِي بِغَيْرِهِ قَالَ: أما بعد، وَأَجَازَ الْفراء: أما بعدا، بِالنّصب والتنوين، و: أما بعد، بِالرَّفْع والتنوين، وَأجَاب هِشَام: أما بعد، بِفَتْح الدَّال. وَاعْلَم أَن: بعد وَقبل، من الظروف الَّتِي قطعت عَن الْإِضَافَة، فَإِذا أُرِيد مِنْهُمَا الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمُتَعَيّن بعد الْقطع يبْنى وَلَا يعرب، وَيكون بناؤهما على الضَّم لِأَن بناءهما عَارض يَزُول بِالْإِضَافَة، فَكَانَت الْحَرَكَة ضمة لِأَنَّهَا لَا توهم إعرابا، لِأَن الضَّم لَا يدخلهما مضافين. وَفِي (الْمُحكم) : مَعْنَاهُ أما بعد دعائي لَك. وَفِي (الْجَامِع) : يَعْنِي بعد الْكَلَام الْمُتَقَدّم، أَو بعد مَا بَلغنِي من الْخَبَر.
وَاخْتلف فِي أول من قَالَهَا. فَقيل: دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَفِي اسناده ضعف، وَقيل: قس بن سَاعِدَة. وَقيل: يعرب بن قحطان. وَقيل: كَعْب بن لؤَي جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقيل: سحبان بن وَائِل. وَفِي (غرائب مَالك) للدارقطني بِسَنَد ضَعِيف: (لما جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ يَعْقُوب فِي جملَة كَلَامه: أما بعد، فَإنَّا أهل بَيت مُوكل بِنَا الْبلَاء) ، وَذكر الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن عبد الله الرهاوي أَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، رووا هَذِه اللَّفْظَة عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم: سعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الله وَالْفضل ابْنا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو هُرَيْرَة وَسمرَة بن جُنْدُب وعدي بن حَاتِم وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ وَعقبَة بن عَامر والطفيل بن سَخْبَرَة وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَزيد بن أَرقم وَأَبُو بكرَة وَأنس بن مَالك وَزيد بن خَالِد وقرة بن دعموص والمسور بن مخرمَة وَجَابِر بن سَمُرَة وَعَمْرو بن ثَعْلَبَة ورزين بن أنس السّلمِيّ وَالْأسود بن سريع وَأَبُو شُرَيْح بن عَمْرو وَعَمْرو بن حزم وَعبد الله ابْن عليم وَعقبَة بن مَالك وَأَسْمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 6 صفحه : 221