responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 2  صفحه : 171
وَهُوَ قبل مَوته بأَرْبعَة أَيَّام. قَوْله: (ائْتُونِي بِكِتَاب) فِيهِ حذف لِأَن حق الظَّاهِر أَن يُقَال: ائْتُونِي بِمَا يكْتب بِهِ الشَّيْء: كالدواة والقلم. وَالْكتاب بِمَعْنى: الْكِتَابَة، وَالتَّقْدِير: ائْتُونِي بأدوات الْكِتَابَة، أَو يكون أَرَادَ بِالْكتاب مَا من شَأْنه أَن يكْتب فِيهِ نَحْو الكاغد والكتف. وَقد صرح فِي (صَحِيح) مُسلم بالتقدير الْمَذْكُور حَيْثُ قَالَ: (ائْتُونِي بالكتف والدواة) ، وَالْمرَاد بالكتف عظم الْكَتف، لأَنهم كَانُوا يَكْتُبُونَ فِيهِ. قَوْله: (اكْتُبْ لكم كتابا) أَي: آمُر بِالْكِتَابَةِ. نَحْو: كسى الْخَلِيفَة الْكَعْبَة، أَي: أَمر بالكسوة، وَيحْتَمل أَن يكون على حَقِيقَته، وَقد ثَبت أَن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كتب بِيَدِهِ. وَلَكِن ورد فِي (مُسْند أَحْمد) من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، أَنه الْمَأْمُور بذلك، وَلَفظه: أَمرنِي النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن آتيه بطبق أَي: كتف، يكْتب مَا لَا تضل أمته من بعده. وَاعْلَم أَن بَين الْكِتَابَيْنِ جناس تَامّ، وَلَكِن أَحدهمَا بِالْحَقِيقَةِ، وَالْآخر بالمجاز. قَوْله: (لَا تضلوا) ويروى: (لن تضلوا) ، بِفَتْح التَّاء وَكسر الضَّاد من الضَّلَالَة ضد الرشاد، يُقَال: ضللت، بِكَسْر اللَّام: أضلّ، بِكَسْر الضَّاد وَهِي الفصيحة، وَأهل الْعَالِيَة يَقُول ضللت بِالْكَسْرِ أضلّ بِالْفَتْح. وَجَاء: يضل بِالْكَسْرِ بِمَعْنى ضَاعَ وَهلك.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْكتاب الَّذِي همَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكتابته، قَالَ الْخطابِيّ: يحْتَمل وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَنه أَرَادَ أَن ينص على الْإِمَامَة بعده فترتفع تِلْكَ الْفِتَن الْعَظِيمَة كحرب الْجمل وصفين. وَقيل: أَرَادَ أَن يبين كتابا فِيهِ مهمات الْأَحْكَام ليحصل الِاتِّفَاق على الْمَنْصُوص عَلَيْهِ، ثمَّ ظهر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْمصلحَة تَركه، أَو أُوحِي إِلَيْهِ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: أَرَادَ أَن ينص على أسامي الْخُلَفَاء بعده حَتَّى لَا يَقع مِنْهُم الِاخْتِلَاف، وَيُؤَيِّدهُ أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ فِي أَوَائِل مَرضه، وَهُوَ عِنْد عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا: (ادعِي لي أَبَاك وأخاك حَتَّى أكتب كتابا، فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمني، وَيَقُول قَائِل، ويأبى الله والمؤمنون إلاَّ أَبَا بكر) . أخرجه مُسلم. وللبخاري مَعْنَاهُ، وَمَعَ ذَلِك فَلم يكْتب. قَوْله: (قَالَ عمر، رَضِي الله عَنهُ: إِن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، غَلبه الوجع وَعِنْدنَا كتاب الله حَسبنَا) . قَالَ النَّوَوِيّ: كَلَام عمر، رَضِي الله عَنهُ، هَذَا مَعَ علمه وفضله لِأَنَّهُ خشِي أَن يكْتب أمورا فيعجزوا عَنْهَا، فيستحقوا الْعقُوبَة عَلَيْهَا لِأَنَّهَا منصوصة لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهَا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قصد عمر، رَضِي الله عَنهُ، التَّخْفِيف على النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حِين غَلبه الوجع. وَلَو كَانَ مُرَاده، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن يكْتب مَا لَا يستغنون عَنهُ لم يتركهم لاختلافهم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد حكى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أهل الْعلم، قيل: إِن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَرَادَ أَن يكْتب اسْتِخْلَاف أبي بكر، رَضِي الله عَنهُ، ثمَّ ترك ذَلِك اعْتِمَادًا على مَا علمه من تَقْدِير الله تَعَالَى. وَذَلِكَ كَمَا همَّ فِي أول مَرضه حِين قَالَ: وارأساه، ثمَّ ترك الْكتاب، وَقَالَ: يأبي الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر، ثمَّ قدمه فِي الصَّلَاة. وَقد كَانَ سبق مِنْهُ قَوْله، عَلَيْهِ السَّلَام: (إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِذا اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر) . وَفِي تَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِنْكَار على عمر، رَضِي الله عَنهُ، دَلِيل على استصوابه. فَإِن قيل: كَيفَ جَازَ لعمر، رَضِي الله عَنهُ، أَن يعْتَرض على مَا أَمر بِهِ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ قيل لَهُ: قَالَ الْخطابِيّ: لَا يجوز أَن يحمل قَوْله أَنه توهم الْغَلَط عَلَيْهِ أَو ظن بِهِ غير ذَلِك مِمَّا لَا يَلِيق بِهِ بِحَالهِ، لكنه لما رأى مَا غلب عَلَيْهِ من الوجع وَقرب الْوَفَاة خَافَ أَن يكون ذَلِك القَوْل مِمَّا يَقُوله الْمَرِيض مِمَّا لَا عَزِيمَة لَهُ فِيهِ، فيجد المُنَافِقُونَ بذلك سَبِيلا إِلَى الْكَلَام فِي الدّين. وَقد كَانَت الصَّحَابَة، رَضِي الله عَنْهُم، يراجعون النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي بعض الْأُمُور قبل أَن يجْزم فِيهَا، كَمَا راجعوه يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَفِي الْخلاف وَفِي الصُّلْح بَينه وَبَين قُرَيْش، فَإِذا أَمر بالشَّيْء أَمر عَزِيمَة فَلَا يُرَاجِعهُ أحد. قَالَ: وَأكْثر الْعلمَاء على أَنه يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ فِيمَا لم ينزل عَلَيْهِ فِيهِ الْوَحْي، وَأَجْمعُوا كلهم على أَنه لَا يقر عَلَيْهِ. قَالَ: وَمَعْلُوم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن كَانَ قد رفع دَرَجَته فَوق الْخلق كلهم، فَلم يتنزه من الْعَوَارِض البشرية، فقد سَهَا فِي الصَّلَاة، فَلَا يُنكر أَن يظنّ بِهِ حُدُوث بعض هَذِه الْأُمُور فِي مَرضه، فَيتَوَقَّف فِي مثل هَذِه الْحَال حَتَّى يتَبَيَّن حَقِيقَته، فلهذه الْمعَانِي وَشبههَا توقف عمر، رَضِي الله عَنهُ. وَأجَاب الْمَازرِيّ عَن السُّؤَال بِأَنَّهُ: لَا خلاف أَن الْأَوَامِر قد تقترن بهَا قَرَائِن تصرفها من النّدب إِلَى الْوُجُوب، وَعَكسه عِنْد من قَالَ: إِنَّهَا للْوُجُوب وَإِلَى الْإِبَاحَة، وَغَيرهَا من الْمعَانِي، فَلَعَلَّهُ ظهر من الْقَرَائِن مَا دلّ على أَنه لم يُوجب ذَلِك عَلَيْهِم، بل جعله إِلَى اختيارهم، وَلَعَلَّه اعْتقد أَنه صدر ذَلِك مِنْهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من غير قصد جازم، فَظهر ذَلِك لعمر، رَضِي الله عَنهُ، دون غَيره. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: (ائْتُونِي) أَمر، وَكَانَ حق الْمَأْمُور أَن يُبَادر للامتثال، لَكِن ظهر لعمر، رَضِي الله عَنهُ، وَطَائِفَة أَنه لَيْسَ على الْوُجُوب، وَأَنه من بَاب الْإِرْشَاد إِلَى الْأَصْلَح، فكرهوا أَن يكلفوه من ذَلِك مَا يشق عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالة مَعَ استحضارهم قَوْله تَعَالَى: {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء}

نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 2  صفحه : 171
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست