responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 19  صفحه : 191
لِمُوسُعُونَ أيْ لَذُو وِسْعَةٍ وَكَذَلِكَ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ يَعْنِي القَوِيِّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد، وَإِنَّا لموسعون} (الذاريات: 74) وَفسّر: (الموسعون) بقوله: (لذُو سَعَة) لخلقنا وَعَن ابْن عَبَّاس: لقادرون، وَعنهُ: لموسعون الرزق على خلقنَا، وَعَن الْحسن: المطيقون. قَوْله: (وَكَذَلِكَ) {وعَلى الموسع قدره} (الْبَقَرَة: 632) أَي: وَكَذَلِكَ فِي معنى: لموسعون، قَوْله: وعَلى الموسع قدره، وَالْحَاصِل أَنه عبارَة عَن السعَة وَالْقُدْرَة.
الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: (وَمن كل شَيْء خلقنَا زَوْجَيْنِ) (الذاريات: 94) والزوجان: الذّكر وَالْأُنْثَى من جَمِيع الْحَيَوَانَات، وَفِي التَّفْسِير: زَوْجَيْنِ صنفين ونوعين مُخْتَلفين كالسماء وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَالْبر وَالْبَحْر والسهل والوعر والشتاء والصيف وَالْإِنْس والجان وَالْكفْر وَالْإِيمَان والشقاوة والسعادة وَالْحق وَالْبَاطِل وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَاخْتِلافُ الألْوَانِ حُلْوٌ وَحَامِضٌ فَهُمَا زَوْجَانِ
الظَّاهِر أَنه أَشَارَ بقوله: (وَاخْتِلَاف الألوان) إِلَى قَوْله تَعَالَى: وألوانكم فِي سُورَة الرّوم، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمن آيَاته خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم إِن فِي ذَلِك لآيَات للْعَالمين} (الرّوم: 22) وَمن جملَة آيَاته، عز وَجل، اخْتِلَاف ألوان بني آدم وَهُوَ الِاخْتِلَاف فِي تنويع ألوانهم إِذْ لَو تشاكلت وَكَانَت نوعا وَاحِدًا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصَالح كَثِيرَة وَكَذَلِكَ اخْتِلَاف الألوان فِي كل شَيْء، وَكَذَا الِاخْتِلَاف فِي المطعومات حَتَّى فِي طعوم الثِّمَار، فَإِن بَعْضهَا حُلْو وَبَعضهَا حامض، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (حُلْو وحامض) قَوْله: (فهما زوجان) ، أَي: الحلو والحامض، وَأطلق عَلَيْهِمَا زوجان لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا يُقَابل الآخر بالضدية كَمَا فِي الذّكر وَالْأُنْثَى، فَإِن الذّكر يُقَابل الْأُنْثَى بالذكورة وَهِي ضد الْأُنُوثَة وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح خُصُوصا الْمُدَّعِي مِنْهُم حرر هَذَا الْموضع.
فَفِرُّوا إلَى الله مِنَ الله إلَيْهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَفرُّوا إِلَى الله إنى لكم مِنْهُ نَذِير مُبين} (الذاريات: 05) وَفَسرهُ بقوله: (من الله إِلَيْهِ) يَعْنِي: من مَعْصِيَته إِلَى طَاعَته أَو من عَذَابه إِلَى رَحمته، وَكَذَا قَالَه الْفراء، وَفِي التَّفْسِير أَي: فاهربوا من عَذَاب الله إِلَى ثَوَابه بِالْإِيمَان ومجانبة الْعِصْيَان. وَعَن أبي بكر الْوراق، فروا من طَاعَة الشَّيْطَان إِلَى طَاعَة الرحمان.
إلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا خَلَقَتْ أهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أهْلِ الفَرِيقَيْنِ إلاَّ لِيُوحِّدُونِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا فَفَعَلَ بَعْضٌ وَتَرَكَ بَعْضٌ وَلَيْسَ فِيهِ حُجِّةٌ لأهْلِ القَدَره.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {مَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} (الذاريات: 65) قَوْله: (إِلَّا ليعبدون) كَذَا ابْتِدَاء الْكَلَام عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر من أول الْآيَة. {مَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وَالْمعْنَى بِحَسب الظَّاهِر: مَا خلقت هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ إلاَّ ليوحدوني، وَلَكِن فسره البُخَارِيّ بقوله: مَا خلقت أهل السَّعَادَة من أهل الْفَرِيقَيْنِ أَي: الْجِنّ وَالْإِنْس إلاَّ ليوحدون، وَإِنَّمَا خصص السُّعَدَاء من الْفَرِيقَيْنِ لتظهر الْمُلَازمَة بَين الْعلَّة والمعلول، فَلَو حمل الْكَلَام على ظَاهره لوقع التَّنَافِي بَينهمَا، وَهُوَ غير جَائِز، وَعَن هَذَا قَالَ الضَّحَّاك وسُفْيَان: هَذَا خَاص لأهل عِبَادَته وطاعته، دَلِيله قِرَاءَة ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس من الْمُؤمنِينَ، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَعْنَاهُ: إلاَّ لآمرهم بعبادتي وأدعوهم إِلَيْهَا، وَاعْتمد الزّجاج على هَذَا، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله} (الْبَيِّنَة: 5) فَإِن قلت: كَيفَ كفرُوا وَقد خلقهمْ للإقرار بربوبيته والتذلل لأَمره ومشيته؟ قلت: قد تذللوا لقضائه الَّذِي قضى عَلَيْهِم لِأَن قَضَاءَهُ جَار عَلَيْهِم لَا يقدرُونَ على الِامْتِنَاع مِنْهُ إِذا نزل بهم، وَإِنَّمَا خَالفه من كفر فِي الْعَمَل بِمَا أَمر بِهِ، فَأَما التذلل لقضائه فَإِنَّهُ غير مُمْتَنع. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم خلقهمْ ليفعلوا) ، أَي: التَّوْحِيد فَفعل بعض مِنْهُم وَترك بعض، هَذَا قَول الْفراء. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين هذَيْن التَّأْويلَيْنِ؟ قلت: الأول لفظ عَام أُرِيد بِهِ الْخُصُوص وَهُوَ أَن المُرَاد أهل السَّعَادَة من الْفَرِيقَيْنِ، وَالثَّانِي على عُمُومه بِمَعْنى خلقهمْ معدين لذَلِك. لَكِن مِنْهُم من أطَاع وَمِنْهُم من عصى، وَمعنى الْآيَة

نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 19  صفحه : 191
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست