responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 15  صفحه : 266
أَنه لما قَالَ لنمرود لَعنه الله رَبِّي الَّذِي يحيى وَيُمِيت أحب أَن يترقى من علم الْيَقِين إِلَى عين الْيَقِين، وَأَن يرى ذَلِك مُشَاهدَة، فَقَالَ: {رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} (الْبَقَرَة: 062) . كَمَا أَن الْإِنْسَان يعلم الشَّيْء ويتيقنه وَلَكِن يحب أَن يرَاهُ عيَانًا. وَمِنْهَا: أَنه لما بشر بالخلة سَأَلَ ذَلِك ليتيقن بالإجابة لصِحَّة مَا بشر بِهِ قَالَه ابْن مَسْعُود ونمها انما سَأَلَ ليشاهد كَيْفيَّة جمع أَجزَاء الْمَوْتَى بعد تفريقها واتصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها، فَأَرَادَ أَن يجمع بَين علم الْيَقِين وَعين الْيَقِين وَحقّ الْيَقِين. وَمِنْهَا: مَا رُوِيَ عَن قَتَادَة أَنه قَالَ: ذكر لنا أَن إِبْرَاهِيم أَتَى على دَابَّة توزعتها الدَّوَابّ وَالسِّبَاع، فَقَالَ: {رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} (الْبَقَرَة: 062) . ليشاهد ذَلِك، لِأَن النُّفُوس متشوقة إِلَى المعاينة، يصدقهُ الحَدِيث: لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة. وَمِنْهَا: مَا قَالَه ابْن دُرَيْد: مر إِبْرَاهِيم بحوت نصفه فِي الْبر وَنصفه فِي الْبَحْر، وَالَّذِي فِي الْبَحْر تَأْكُله دَوَاب الْبَحْر، وَالَّذِي فِي الْبر تَأْكُله دَوَاب الْبر، فَقَالَ إِبْلِيس الْخَبيث: يَا إِبْرَاهِيم! مَتى يجمع الله هَذَا من بطُون هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ {رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} (الْبَقَرَة: 162) . {لِيَطمَئِن قلبِي} (الْبَقَرَة: 162) . ليسكن ويهتدي بِالْيَقِينِ الَّذِي يستيقنه، وَقَالَ ابْن الْحصار فِي (شرح القصيدة) : إِنَّمَا سَأَلَ الله أَن يحيي الْمَوْتَى على يَدَيْهِ يدل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {فصرهن إِلَيْك} (الْبَقَرَة: 062) . فَأَجَابَهُ على نَحْو مَا سَأَلَ، وَعلم أَن أحدا لَا يقترح على الله مثل هَذَا فَيُجِيبهُ بِعَين مَطْلُوبه إِلَّا عَن رضَا واصطفاء. بقوله: {أَو لم تؤمن} (الْبَقَرَة: 062) . بِأَنا اصطفيناك واتخذناك خَلِيلًا؟ قَالَ: بلَى. قَوْله: كَيفَ تحيي الْمَوْتَى، لفظ: كَيفَ، اسْم لدُخُول الْجَار عَلَيْهِ بِلَا تَأْوِيل نَحْو قَوْلهم: على كَيفَ تبيع الأحمرين؟ وَيسْتَعْمل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون شرطا نَحْو: كَيفَ تصنع أصنع، وَالْآخر: وَهُوَ الْغَالِب: أَن يكون استفهاماً، وَهنا كَذَلِك، وَقَالَ ابْن عَطِيَّة: السُّؤَال: بكيف؟ إِنَّمَا هُوَ سُؤال عَن حَالَة شَيْء مَوْجُود متقرر الْوُجُود عِنْد السَّائِل، فَكيف هُنَا اسْتِفْهَام عَن هَيْئَة الْإِحْيَاء، وَهُوَ متقرر. قَوْله: {قَالَ أَو لم تؤمن} (الْبَقَرَة: 062) . يَعْنِي: بإحياء الْمَوْتَى؟ وَإِنَّمَا قَالَ: أَو لَمْ تؤمن؟ مَعَ علمه بِأَنَّهُ أثبت النَّاس إِيمَانًا ليجيب بِمَا أجَاب بِهِ لما فِيهِ من الْفَائِدَة الجليلة للسامعين. قَوْله: قَالَ بلَى، أَي: بلَى آمَنت، و: بلَى، إِيجَاب لما بعد النَّفْي. قَوْله: {وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} (الْبَقَرَة: 162) . أَي: ليزِيد سكوناً وطمأنينة بمضامة علم الضَّرُورَة علم الِاسْتِدْلَال، لِأَن ظَاهر الْأَدِلَّة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة وَالْيَقِين، وَعَن ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَآخَرين: لِيَطمَئِن قلبِي للمشاهدة، كَأَن نَفسه طالبته بِرُؤْيَة ذَلِك، فَإِذا رَآهُ اطْمَأَن، وَقد يعلم الْمَرْء الشَّيْء من جِهَة ثمَّ يطْلب أَن يُعلمهُ من غَيرهَا، وَقيل: الْمَعْنى: لِيَطمَئِن قلبِي لِأَنِّي إِذا سَأَلتك أجبتني، وَقيل: كَانَ سُؤَاله على طَرِيق الْأَدَب يَعْنِي: أقدرني على إحْيَاء الْمَوْتَى لِيَطمَئِن قلبِي عَن هَذِه الأمنية، فَأَجَابَهُ الله إِلَى سُؤَاله، وَقَالَ: فَخذ أَرْبَعَة من الطير وَهِي: الغرموق والطاووس والديك والحمامة، كَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، وَعنهُ: أَنه أَخذ وزاً ورألاً، وَهُوَ فرخ النعامة وديكاً وطاووساً. وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة: كَانَت حمامة وديكاً وطاووساً وغراباً. وروى مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: أَن الطُّيُور كَانَت طاووساً ونسراً وغرابا وحماماً.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى أَحْوَال الدُّنْيَا: فالطاووس من الزِّينَة، والنسر من امتداد الأمل، والغراب من الغربة، وَالْحمام من النِّيَاحَة. وَقيل: مَوضِع النسْر: البط، وَمَوْضِع الْحمام: الديك، وَالْحكمَة فِي اخْتِيَار هَذِه الْأَرْبَعَة هِيَ: أَن الطاووس خَان آدم، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْجنَّة، والبطَّ خَان يُونُس صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قطع يقطينه، والغراب خَان نوحًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أرْسلهُ ليكشف حَال المَاء الَّذِي عَم الأَرْض فاشتغل بالجيفة، والديك خَان إلْيَاس فسلب ثَوْبه، فَلَا جرم أَن الله تَعَالَى غير صَوت الطاووس بِدُعَاء آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسلب السّكُون على البط بِدُعَاء يُونُس صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَجعل رزق الْغُرَاب الجيفة بِدُعَاء نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَألقى الْعَدَاوَة بَين الديك بِدُعَاء الياس صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلما أَخذ إِبْرَاهِيم هَذِه الطُّيُور الْأَرْبَعَة، قَالَ الله تَعَالَى لَهُ: فصرهن إِلَيْك، أَي: قطعهن، كَذَا رَوَاهُ مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، ثمَّ خلطهن ثمَّ اجْعَلْهَا أَرْبَعَة أَجزَاء، ثمَّ اجْعَل على كل جبل مِنْهُنَّ جُزْءا، فَفعل إِبْرَاهِيم مثل مَا أَمر بِهِ، ثمَّ أمره الله أَن يدعوهن، فدعاهن فَجعل ينظر إِلَى الريش يطير إِلَى الريش، وَالدَّم إِلَى الدَّم، وَاللَّحم إِلَى اللَّحْم، والأجْزَاء من كل طير يقْصد بَعْضهَا بَعْضًا حَتَّى قَامَ كل طير على حِدته وأتينه يَمْشين سعياً ليَكُون أبلغ فِي الرُّؤْيَة الَّتِي سَأَلَهَا. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَكَانَ إِبْرَاهِيم قد أَخذ رؤوسهن بِيَدِهِ وَجعل كل طير يَجِيء ليَأْخُذ رَأسه من يَد إِبْرَاهِيم، فَإِذا قدَّم إِبْرَاهِيم غير رَأسه يأباه، وَإِذا قدَّم رَأسه تركب مَعَ بَقِيَّة جثته، بحول الله تَعَالَى وقوته، وَلِهَذَا قَالَ الله: وَاعْلَم أَن الله عَزِيز لَا يغلبه شَيْء، وَلَا يمْتَنع مِنْهُ شَيْء، حَكِيم فِي أَقْوَاله وأفعاله. فَإِن قلت: لِمَ خص الطير من بَين سَائِر الْحَيَوَانَات؟ قلت: لِأَن للطير مَا لسَائِر الْحَيَوَانَات، وَله زِيَادَة: الطيران، وَلِأَن الطير هوائي ومائي وأرضي، فَكَانَت الأعجوبة فِي إحيائه أَكثر، وَلذَا قَالَ عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير، فَاخْتَارَ الخفاش

نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 15  صفحه : 266
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست