responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 1  صفحه : 178
عَن الْكفْر إِلَى التَّوْحِيد ففسره قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) قلت: فِيهِ نظر من وُجُوه: الأول: أَن قَوْله: بَاب، وَهُوَ منون فِي الرِّوَايَة دَعْوَى بِلَا برهَان. فَمن قَالَ من الْمَشَايِخ الْكِبَار: إِن هَذِه رِوَايَة مِمَّن لَا يعْتَمد على كَلَامهم على أَن الرِّوَايَة إِذا خَالَفت الدِّرَايَة لَا تقبل، اللَّهُمَّ إلاَّ إِذا وَقع نَحْو هَذَا فِي الْأَلْفَاظ النَّبَوِيَّة، فَحِينَئِذٍ يجب تَأْوِيلهَا على وفْق الدِّرَايَة، وَقد قُلْنَا: إِن هَذَا بمفرده لَا يسْتَحق الْإِعْرَاب إلاَّ إِذا قَدرنَا نَحْو: هَذَا بَاب، بِالتَّنْوِينِ، أَو بالإعراب بِلَا تَنْوِين بِتَقْدِير الْإِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة الَّتِي بعده. الثَّانِي: أَن تَقْدِيره بقوله: بَاب فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى، لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَن البُخَارِيّ مَا وضع هَذَا الْبَاب فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صدد التَّفْسِير فِي هَذِه الْأَبْوَاب، وَإِنَّمَا هُوَ فِي صدد بَيَان أُمُور الْإِيمَان، وَبَيَان أَن الْأَعْمَال من الْإِيمَان على مَا يرَاهُ وَاسْتدلَّ على ذَلِك فِي هَذَا الْبَاب بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة وَبِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، أما الْآيَة فَلِأَن الْمَذْكُور فِيهَا التَّوْبَة الَّتِي هِيَ الرُّجُوع من الْكفْر إِلَى التَّوْحِيد، وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَكَذَلِكَ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِيهِ هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة، فَكَمَا ذكر فِي الْآيَة: أَن من أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاث فَإِنَّهُ يخلي، فَكَذَلِك ذكر فِي الحَدِيث أَن من أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ قد يعْصم دينه وَمَاله إلاَّ بِحَق، وَمعنى التَّخْلِيَة والعصمة وَاحِد هَهُنَا، وَهَذَا هُوَ وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْآيَة الْمَذْكُورَة والْحَدِيث الْمَذْكُور. النّظر الثَّالِث: أَن قَوْله: ففسره قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ مَا أخرج الحَدِيث هَهُنَا تَفْسِيرا لِلْآيَةِ، وَإِنَّمَا أخرجه هَهُنَا لأجل الرَّد على المرجئة فِي قَوْلهم: إِن الْإِيمَان غير مفتقر إِلَى الْأَعْمَال، على أَنه قد رُوِيَ عَن أنس، رَضِي الله عَنهُ، أَن هَذِه الْآيَة آخر مَا نزل من الْقُرْآن وَلَا شكّ أَن الحَدِيث الْمَذْكُور مُتَقَدم عَلَيْهَا، لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، إِنَّمَا أَمر بِقِتَال النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فِي ابْتِدَاء الْبعْثَة، والمتقدم لَا يكون مُفَسرًا للمتأخر.
الْوَجْه الثَّانِي فِي الْكَلَام فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ على أَنْوَاع: الأول: أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة بَرَاءَة، وأولها قَوْله عز وَجل {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وخذوهم واحصروهم واقعدوا لَهُم كل مرصد فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وآتووا الزَّكَاة فَخلوا سبيلهم إِن الله غَفُور رَحِيم} (التَّوْبَة: 5) نزلت فِي مُشْركي مَكَّة وَغَيرهم من الْعَرَب. وَذَلِكَ أَنهم عَاهَدُوا الْمُسلمين ثمَّ نكثوا إلاَّ نَاسا مِنْهُم، وهم بَنو ضَمرَة وَبَنُو كنَانَة، فنبذوا الْعَهْد إِلَى النَّاكِثِينَ، وَأمرُوا أَن يَسِيحُوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر آمِنين إِن شاؤا لَا يتَعَرَّض لَهُم، وَهِي الْأَشْهر الْحرم، وَذَلِكَ لصيانة الْأَشْهر الْحرم من الْقَتْل والقتال فِيهَا، فَإِذا انسلخت قاتلوهم، وَهُوَ معنى قَوْله {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} (التَّوْبَة: 5) الْآيَة. النَّوْع الثَّانِي فِي لُغَات الْآيَة. فَقَوله: انْسَلَخَ، مَعْنَاهُ: خرج يُقَال: انْسَلَخَ الشَّهْر من سنته، وَالرجل من ثِيَابه والحبة من قشرها، وَالنَّهَار من اللَّيْل الْمقبل لِأَن النَّهَار مكور على اللَّيْل، فَإِذا انْسَلَخَ ضوؤه بَقِي اللَّيْل غاسقا قد غشي النَّاس. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: انْسَلَخَ الشَّهْر كَقَوْلِهِم انجرد الشَّهْر، وَسنة جرداء، وَالْأَشْهر الْحرم ثَلَاث مُتَوَالِيَات: ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب الْفَرد الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان. قَوْله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} (التَّوْبَة: 5) يَعْنِي: الَّذين نقضوكم وظاهروا عَلَيْكُم. قَوْله: {حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} يَعْنِي من حل أَو حرَام. قَوْله {وخذوهم} (التَّوْبَة: 5) يَعْنِي اسروهم، والأخيذ: الْأَسير. قَوْله {واحصروهم} (التَّوْبَة: 5) يَعْنِي: قيدوهم وامنعوهم من التَّصَرُّف فِي الْبِلَاد، وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا: حصرهم أَن يُحَال بَينهم وَبَين الْمَسْجِد الْحَرَام. قَوْلهم: {كل مرصد} (التَّوْبَة: 5) يَعْنِي: كل ممر ومجتاز ترصدونهم بِهِ. قَوْله {فَإِن تَابُوا} (التَّوْبَة: 5) أَي: عَن الشّرك {وَأَقَامُوا الصَّلَاة} (التَّوْبَة: 5) أَي: أدوها فِي أَوْقَاتهَا {وَآتوا الزَّكَاة} أَي: أعطوها قَوْله: {فَخلوا سبيلهم} يَعْنِي أطْلقُوا عَنْهُم قيد الْأسر والحصر أَو مَعْنَاهُ: كفوا عَنْهُم وَلَا تتعرضوا لَهُم لأَنهم عصموا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ بِالرُّجُوعِ عَن الْكفْر إِلَى الْإِسْلَام وشرائعه، وَعَن ابْن عَبَّاس، دعوهم وإتيان الْمَسْجِد الْحَرَام، إِن الله غَفُور يغْفر لَهُم مَا سلف من الْكفْر والغدر، رَحِيم بِالْعَفو عَنْهُم. النَّوْع الثَّالِث: قَوْله: فَإِذا انْسَلَخَ جملَة متضمنة معنى الشَّرْط وَقَوله: فَاقْتُلُوا، جَوَابه قَوْله: كل مرصد، نصب على الظّرْف كَقَوْلِه {لاقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم} (الْأَعْرَاف: 16) قَوْله: {فَخلوا سبيلهم} (التَّوْبَة: 5) جَوَاب الشَّرْط: أَعنِي قَوْله: فَإِن تَابُوا.
الْوَجْه الثَّالِث ذكر الْآيَة والتبويب عَلَيْهَا للرَّدّ على المرجئة، كَمَا ذكرنَا، وللتنبيه على أَن الْأَعْمَال من الْإِيمَان، وَأَنه قَول وَعمل، كَمَا هُوَ مذْهبه وَمذهب جمَاعَة من السّلف.

نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين    جلد : 1  صفحه : 178
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست