الحق، وأنصحهم للخلق، فلا استدراك عليه، فيجب أن يبقى ما أطلقه -صلى الله عليه وسلم- على الله - تعالى - بدون تأويل، إلا إذا كان يريد بذلك تفسير معنى الصبر، ولكن الأولى أن يبقى كما قال؛ لأنه واضح ليس بحاجة إلى تفسير.
قوله في الحديث: " اصبر" أفعل تفضيل من الصبر، ومن أسمائه الحسنى "الصبور"، ومعناه: الذي لا يعاجل العصاة بالعقوبة، وهو قريب من معنى الحليم، والحليم أبلغ في السلامة من العقوبة [1] .
وقال الزجاج: " أصل الصبر في الكلام: الحبس، يقال: صبرته على كذا صبراً: إذا حبسته، ومعنى الصبر والصبور في اسم الله - تعالى - قريب من معنى الحلم" [2] .
وقال ابن الأثير: " الصبور: هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام منهم، بل يؤخر ذلك إلى أجل مسمى، فمعنى الصبور في صفة الله - تعالى - قريب من معنى
الحليم، إلا أن الفرق بين الأمرين أنهم لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور، كما يأمنون منها في صفة الحليم" [3] .
يقصد أن صفة الحلم أكثر رجاء ورحمة وأوسع لعباده، من صفة الصبور، والله أعلم.
قوله: "على أذى سمعه من الله" لفظ الأذى في اللغة هو لما خف أمره، وضعف أثره من الشر والمكروه، وذكره الخطابي، قال شيخ الإسلام: "وهو كما قال، بخلاف الضرر، فقد أخبر - سبحانه- أن العباد لا يضرونه، كما قال تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللهَ شَيْئاً} [4] ، فبين أن
(1) "فتح الباري" (13/361) .
(2) " تفسير أسماء الله الحسنى" (ص65) .
(3) "جامع الأصول" (4/183) . [4] الآية 176 من سورة آل عمران.