وهذه الآية مرتبطة بالآية قبلها في المعنى، وهي قوله-تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [1] ، والمعنى: أنه -تعالى- خلق العباد ليعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، فمن أطاعه في ذلك جازاه أتم الجزاء وأحسنه، ومن أبى وعصاه عذبه أشد العذاب.
وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم" [2] .
فهو-جل وعلا- لم يخلقهم ليستعين بهم أو ليقوى بهم، كما يقصد السادة من عبيدهم.
قوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} هذه القراءة المجمع عليها، المتواترة، وقراءة ابن مسعود تتفق معها في المعنى.
والمعنى: أن الله -تعالى- هو المتكفل بأرزاق الخلق وحاجاتهم؛ وأكد الجملة بـ "إن" والضمير؛ لقطع توهم من يعتمد على قوته، أو علمه وصنعته، أو غير ذلك، في أمور الرزق،؛ ليصرف اعتمادهم إلى الله وحده.
{ذُو الْقُوَّةِ} أي القوة العظيمة التي لا تضاهي، ولا تقاس بقوة خلقة مهما بلغت قوتهم، فهو-تعالى- على كل شيء قدير، لا يمتنع عليه شيء.
و {الْمَتِينُ} الشديد القوة، الذي لا يطرأ عليه عجز أو ضعف، تعالى وتقدس، وهذا المروي عن ابن عباس كما ذكره الطبري [3] .
قال ابن الجوزي: "والمتين: الشديد القوة الذي لا تنقطع قوته، [1] الآيات 56-58 من سورة الذاريات.
(2) "تفسير ابن كثير" (1/402) . [3] انظر: "تفسير الطبري" (27/13) .