وعلا- يبتلي خلقه بالمصائب، تأديباً لهم، وتكفيراً لذنوبهم، رحمة منه بهم.
قوله: "ونفسه تقعقع كأنها في شن" القعقعة: صوت الشيء اليابس الجاف الخفيف إذا حرك، يعني بذلك: صوت نفسه عند صعوده ونزوله في صدره من شدة الألم.
والشن: بفتح الشين وتشديد النون: القربة الخلقة اليابسة.
قوله: "ففاضت عيناه"أي ذرفت عينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – بالدموع رحمة لهذا الضعيف، وتوجعاً لما نزل به من ألم شديد.
"فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ " كان –صلى الله عليه وسلم – ينهى عن البكاء على الميت، فظن سعد-رضي الله عنه- وغيره أن النهي يدخل فيه دمع العين، وحزن القلب، فبين لهم النبي –صلى الله عليه وسلم – أن المنهي عنه هو التسخط من المقدور، ودعوى الجاهلية من العويل والنوح، وتعداد محاسن الميت، وما أشبه ذلك من لطم الوجه وشق الثياب ونحوه، مما يدل على السخط من الواقع، وعدم الصبر.
وأما دمع العين وحزن القلب، فهو من الرحمة للضعفاء التي هي سبب رحمة أرحم الراحمين-جل وعلا-.
قوله: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده" أي " الدمع الذي رأيته من أثر الرحمة التي جعلها الله – تعالى – في قلوب عباده، الذين أراد -تعالى –رحمتهم؛ لأن الجزاء من جنس العمل، والإضافة هنا خاصة، أي الذين عبدوه باتباع أمره، واجتناب نهيه، وقد تكون عامة، فإن الكافر قد يرحم الصغير، فيبكي عليه رحمة.
قوله: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" أي: رحمة الله-تعالى- للمحسنين إلى عباده برحمتهم، والرحماء من صيغ المبالغة، ولهذا قال بعض الشراح: "المعنى: أن الله –تعالى- لا يرحم من عباده إلا كثير الرحمة، فالرحماء جمع رحيم، وهو من صيغ المبالغة" [1] .
(1) "المنهل العذب المورود" (8/277) .