عقب صلاة العصر، ويبقى الذين يبيتون معهم ليلاً، ثم بعد اجتماع الفريقين أيضاً في صلاة الفجر يصعد الذين باتوا مع العباد، ويبقى الذين نزلوا في صلاة الفجر من السماء. والله -تعالى- يسأل كل فريق عن العباد، كيف تركتم عبادي، أي: على أي حال تركتموهم؟ - وهو جل وعلا – أعلم من الملائكة المصاحبين لهم بهم، ولكن يسأل –تعالى- الملائكة عنهم؛ لإظهار كرامتهم، فضلاً منه، وإحساناً إليهم، وبهذا يعلم أهمية المحافظة على هاتين الصلاتين في الجماعة.
قوله: " ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم – وهو أعلم – كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يصلون، وأتيناهم، وهم يصلون".
تقدم معنى العروج، وأنه: الصعود، والارتفاع، والذهاب إلى العلو، وهذا هو محل الشاهد من الحديث؛ لأن السؤال حصل بعد صعودهم، حيث يصلون إلى المكان المحدد لهم، والله –تعالى- فوقهم، وهو –تعالى- يخاطبهم بذلك، بدون واسطة، كما هو ظاهر النص، ولو كان ذلك بوحي لم يكن هناك فرق بين كونهم في السماء، أو في الأرض.
وهذا الحديث يتفق في المعنى مع قوله -تعالى-: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} وكأن البخاري يشير بذلك إلى تفسيرها، وأن عروج الملائكة المذكور في هذا الحديث، داخل في مدلولها.
ودل قوله: " وهم أعلم بهم" أن المقصود من السؤال: إظهار كرامة المؤمنين من بني آدم، بطاعتهم لربهم، وعبادتهم إياه، والتنويه بفضلهم عند الملائكة الذين في السماء، والملائكة المسؤولون فهموا من الله-تعالى- ما أرادوه، ولهذا قالوا في الجواب: " تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
وفي هذا دليل على أن من جلس في مصلاه، يذكر الله ويدعوه، أنه في صلاة، لأن الملائكة يحضرون الصلاة معهم، وبعد الفراغ منها يصعدون.