وسيأتي في آخر الباب بعد هذا، وفيه، " قال: مستقرها تحت العرش"، وذكر أيضاً هذين اللفظين في تفسير سورة يس، وبذلك تظهر مناسبة الحديث للباب، فذكره لأجل ما فيه من قوله: " تذهب حتى تسجد تحت العرش"، وقوله: " مستقرها تحت العرش" في غير هذه الرواية هنا.
قال الحافظ: " وأخرجه النسائي بلفظ: " تذهب حتى تنتهي تحت العرش، عند ربها" [1] ، وهو واضح في أن سجودها في أرفع ما تكون، وأقرب ما تكون إلى العرش، ومعلوم أنها دائماً تحت العرش، ولكن سجودها في مكان معين من
مسيرها، وهو دليل واضح على العرش، وارتفاعه العظيم، وهذا هو مراد البخاري - رحمه الله - من الحديث، ومعلوم أن الله -تعالى- فوق العرش كما سبق.
قال الحافظ: " قوله: تحت العرش" قيل: معناه: هي حين محاذاتها، ولا يخالف هذا قوله تعالى: {وجدها تغرب في عين حمئة} [2] ، فإن المراد بها: نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب".
قال: " وفي الحديث رد على من زعم أن المراد بمستقرها: غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع، وذلك أطول يوم في السنة ".
وقيل: مستقرها: منتهى أمرها، عند انتهاء الدنيا.
وقال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش: أنها تستقر تحته استقراراً لا نحيط به نحن، وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق سيرها ودورانها فيه.
قلت: وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار: وقوعه في كل ليلة ويوم عند سجودها، ومقابل الاستقرار: المسير المعبر عنه بالجري " انتهى [3] .
(1) "الفتح" (8/541) . [2] الآية 86 من سورة الكهف.
(3) "الفتح" ملخصاً (8/542) .