بدون توقف أو استفسار، أو طلب للعلة والسبب؛ لأن قول بني تميم: " بشرتنا فأعطنا" لا يدل بظاهره على أنهم لم يقبلوها، ومع ذلك جعل عدم فهمهم للمقصود وطلبهم لأمر عاجل، عدم قبول للبشرى.
قوله: " جئناك لنتفقه في الدين" الفقه هو الفهم، أي: فهم المراد، أي: أننا قد آمنا بك، وبما جئت به، وأتينا إليك لتفهمنا ديننا الذي جئت به، وتعلمنا ما نعتقده، ونعمل به، وهذا من توفيق الله لعبده؛ أن يهتم بالتفقه في دينه، حتى يعبد ربه على علم وبصيرة.
قله: " ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان "؟ الإشارة في قوله: " هذا" تعود إلى شيء مشاهد، حاضر، موجود، وهو هذا الخلق المرئي، من السماوات والأرض، وما بينهما، وما فيهما، والمعنى: جئنا نسأل عن مبدأ خلق هذه المخلوقات المشاهدة، وهذا هو الظاهر.
قال الحافظ: " كأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم، وهو الظاهر، ويحتمل أن يكونوا سألوا عن أول جنس المخلوقات" [1] .
قلت: الاحتمال الثاني بعيد، بل باطل، كما يأتي بيانه في كلام شيخ الإسلام، وقوله في الحديث: " عن أول هذا الأمر" برده؛ لأن الإشارة إلى المخلوقات المشاهدة كما تقدم، وجوب السؤال يدل على أنهم سألوا عن مبدأ هذا العالم المشاهد، والأمر يطلق ويراد به المأمور، ويراد به المصدر، الذي هو حكم الأمر، والأول هو المراد هنا قطعاً.
وقد رد شيخ الإسلام احتمال كونهم سألوا عن أول جنس المخلوقات من وجوه كثيرة، وبين أن ذلك باطل، وذكر أن الحديث روي بثلاثة ألفاظ:
أحدها: المذكور هنا: " كان الله ولم يكن شيء قبله".
والثاني: " كان الله، ولم يكن شيء معه".
(1) "الفتح" (6/288) .