وموسى – عليه السلام – يقول: قتلت نفساً بغير حق، ولم يذكر لعيسى عليه السلام ذنباً، وهذا كله مع قول عيسى عليه السلام: " ولكن ائتوا محمداً، عبداً غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر" يدل على وقوع الذنوب من الأنبياء، وهؤلاء المذكورون هم أفضل الأنبياء، وهي مسألة مشهورة، ولا خلاف أن الكفر بعد النبوة غير واقع منهم، كما أنه لا خلاف في عصمتهم فيما يبلغونه عن طريق القول. وأما الفعل، فقد يقع منهم السهو أو النسيان، أو الخطأ الذي لا يقرون عليه، كما أنهم محفوظون من الذنوب، التي تزري بفاعلها، وتسقط مروءته.
وأما الصغائر فجائز وقوعها منهم، كما دل عليه هذا الحديث في الجملة، وغيره من النصوص الكثيرة، والله أعلم.
وقد تطرف بعض شراح الكتاب وزعم أن من قال بهذا أنه كافر.
ويدل على عظم الأمر، كيف اعتذر من هم أفضل البشر عن الشفاعة معتلين بذنوب أكثر الخلق لا يعدها ذنوباً، وهم قد تابوا منها، واستغفروا ربهم فغفر لهم، وهذا يدل على عظم الله، وعظيم قدره في قلوبهم، وعلى صعوبة الموقف بين يدي الله وشدته، فهل يفهم هذا من يهرع إلى قبور الموتى يطلبون منهم ما لا يطلبه أولو العزم من الرسل من الله -تعالى-؟
وقول كل واحد منهم: " لست هناكم" أي: لست كما تظنون أني أستطيع أن أشفع لكم، فليس ذلك عندي.
قوله: " فأنطلق، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي عليه " يدل على أنه –صلى الله عليه وسلم- يقصد مكاناً معيناً، يرى فيه ربه، وسيأتي في باب الرؤية في هذا الحديث " فاستأذن على ربي في داره " وقد قيل: إن المراد بداره هنا الجنة، فالله أعلم.
قوله: " فإذا رأيت ربي وقعت له ساجداً " صريح في أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يرى ربه عياناً في ذلك الموقت، وسيأتي ذلك – إن شاء الله تعالى -.