واستشهد لذلك بقوله: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} [1] ، فالحق هو قوله وكلامه، فالله -تعالى- خلق الأشياء بكلامه وقوله، فما خلق به الأشياء فهو غيرها، فكلام الله -تعالى- الذي خلق الخلق غير مخلوق" [2] .
قلت: وبهذا يظهر مراد البخاري - رحمه الله تعالى - فقول الله -تعالى- حق، وهو صفة له، وما وجد بقوله فهو غير القول، بل هو المفعول المخلوق، فقوله -تعالى- الذي خلق به الأشياء، لا يجوز أن يكون مماثلاً لها، فلا بد من التفريق بين قوله الذي هو صفته، وبين مفعولاته التي وجدت بقوله، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - في باب: ما جاء في تخليق السماوات والأرض وهو -تعالى- خلق السماوات والأرض وغيرهما بقوله لها: كوني، كما قال -تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [3] .
قال الحافظ: " كأنه أشار بهذه الترجمة إلى ما ورد في تفسير هذه الآية، أن معنى قوله: {بالحق} أي بكلمة الحق، وهو قوله: {كن} ويدل عليه ما في أول الحديث، "وقولك الحق" فكأنه أشار إلى أن القول {في الحديث} الكلمة، وهي "كن" والله أعلم" [4] .
وقال ابن المرتضى: " هذا إشارة من البخاري إلى مذهب أهل السنة في إثبات الحكمة" [5] . [1] الآية 73 من سورة الأنعام.
(2) "تفسير الطبري" (11/458-459) تحقيق: محمود شاكر، ملخصاً. [3] الآية 11 من سورة فصلت.
(4) "الفتح" (13/371) .
(5) "إيثار الحق على الخلق" (ص205) .