responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شرح الزرقاني على الموطأ نویسنده : الزرقاني، محمد بن عبد الباقي    جلد : 2  صفحه : 132
وَخَوْفِ ذَهَابِ الدِّينِ لِغَلَبَةِ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ وَظُهُورِ الْمَعَاصِي، أَوْ مَا يَقَعُ لِبَعْضِهِمْ مِنَ الْمُصِيبَةِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ أَوْ دُنْيَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِدِينِهِ. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ» ". وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " «سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ لَوْ وَجَدَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ يُبَاعُ لَاشْتَرَاهُ» ". وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَهَذَا الْعَيْشُ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ ... أَلَا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشْتَرِيهِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقَعُ الْبَلَاءُ وَالشِّدَّةُ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ أَهْوَنَ عَلَى الْمَرْءِ فَيَتَمَنَّى أَهْوَنَ الْمُصِيبَتَيْنِ فِي اعْتِقَادِهِ، وَذَكَرَ الرَّجُلَ لِلْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْمَرْأَةُ يُمْكِنُ أَنْ تَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِذَلِكَ أَيْضًا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ الرِّجَالَ هُمُ الْمُبْتَلُونَ بِالشَّدَائِدِ، وَالنِّسَاءُ مُحَجَّبَاتٌ لَا يَصْلَيْنَ نَارَ الْفِتْنَةِ خَصَّهُمْ، كَمَا قِيلَ:
كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْغَانِيَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ.
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَلَا كُلِّ زَمَنٍ وَلَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ، بَلْ يَصْدُقُ عَلَى اتِّفَاقِهِ لِلْبَعْضِ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ وَفِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ، وَفِي تَعْلِيقِ تَمَنِّيهِ بِالْمُرُورِ إِشْعَارٌ بِشِدَّةِ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ مِنْ فَسَادِ الْحَالِ حَالَتَئِذٍ ; إِذِ الْمَرْءُ قَدْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِ شَيْءٍ، فَإِذَا شَاهَدَ الْمَوْتَى وَرَأَى الْقُبُورَ نَشَزَ بِطَبْعِهِ وَنَفَرَ بِسَجِيَّتِهِ مِنْ تَمَنِّيهِ، فَلِقُوَّةِ الشِّدَّةِ لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهُ مَا شَاهَدَهُ مِنْ وَحْشَةِ الْقُبُورِ، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا النَّهْيَ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِخْبَارٌ عَمَّا يَكُونُ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ» ". «وَقَوْلَ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ» ; لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِشِدَّةِ مَا يَنْزِلُ بِالنَّاسِ مِنْ فَسَادِ الدِّينِ لَا لِضَرَرٍ يُصِيبُ جِسْمَهُ يَحُطُّ خَطَايَاهُ. وَقَدْ قَالَ عَتِيقٌ الْغِفَارِيُّ زَمَنَ الطَّاعُونِ: يَا طَاعُونُ خُذْنِي إِلَيْكَ، فَقِيلَ: أَلَمْ يَأْتِ النَّهْيُ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «بَادِرُوا بِالْمَوْتِ إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَنِسَاءً يَتَّخِذُونَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ الرَّجُلَ يُغَنِّيهِمْ بِالْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ فِقْهًا» . وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَإِذَا أَرَدْتَ بِالنَّاسِ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ» " وَقَوْلُ عُمَرَ: " اللَّهُمَّ قَدْ ضَعُفَتْ قُوَّتِي وَكَبُرَتْ سِنِّي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ "، انْتَهَى. وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الْفِتَنِ، الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.

نام کتاب : شرح الزرقاني على الموطأ نویسنده : الزرقاني، محمد بن عبد الباقي    جلد : 2  صفحه : 132
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست