responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : جامع العلوم والحكم - ت الأرنؤوط نویسنده : ابن رجب الحنبلي    جلد : 2  صفحه : 347
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِطْبَتِهِ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ: «أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ» كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي " سِيرَتِهِ " فَمَتَى امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، مَحَا ذَلِكَ مِنَ الْقَلْبِ كُلَّ مَا سِوَاهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَلَا إِرَادَةٌ إِلَّا لِمَا يُرِيدُهُ مِنْهُ مَوْلَاهُ، فَحِينَئِذٍ لَا يَنْطِقُ الْعَبْدُ إِلَّا بِذِكْرِهِ، وَلَا يَتَحَرَّكُ إِلَّا بِأَمْرِهِ، فَإِنْ نَطَقَ نَطَقَ بِاللَّهِ، وَإِنْ سَمِعَ سَمِعَ بِهِ، وَإِنْ نَظَرَ نَظَرَ بِهِ، وَإِنْ بَطَشَ بَطَشَ بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا» وَمَنْ أَشَارَ إِلَى غَيْرِ هَذَا فَإِنَّمَا يُشِيرُ إِلَى الْإِلْحَادِ مِنَ الْحُلُولِ، أَوِ الِاتِّحَادِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ. وَمِنْ هُنَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ كَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُعْصَى اللَّهُ. وَوَصَّتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّلَفِ أَوْلَادَهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: تَعَوَّدُوا حُبَّ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ، فَإِنَّ الْمُتَّقِينَ أَلِفُوا الطَّاعَةَ، فَاسْتَوْحَشَتْ جَوَارِحُهُمْ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ عَرَضَ لَهُمُ الْمَلْعُونُ بِمَعْصِيَةٍ، مَرَّتِ الْمَعْصِيَةُ بِهِمْ مُحْتَشِمَةً، فَهُمْ لَهَا مُنْكِرُونَ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ عَلِيٍّ: إِنْ كُنَّا لَنَرَى أَنَّ شَيْطَانَ عَمَرَ لَيَهَابَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْخَطِيئَةِ، وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا سَبَقَ إِلَى أَنَّ هَذَا مِنْ أَسْرَارِ التَّوْحِيدِ الْخَاصَّةِ، فَإِنَّ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: لَا يُؤَلِّهُ غَيْرَهُ حُبًّا وَرَجَاءً، وَخَوْفًا، وَطَاعَةً، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْقَلْبُ بِالتَّوْحِيدِ التَّامِّ، لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَحَبَّةٌ لِغَيْرِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَلَا كَرَاهَةٌ لِغَيْرِ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ تَنْبَعِثْ جَوَارِحُهُ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا تَنْشَأُ الذُّنُوبُ مِنْ مَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، أَوْ كَرَاهَةِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ يَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ هَوَى النَّفْسِ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ، وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي كَمَالِ التَّوْحِيدِ الْوَاجِبِ، فَيَقَعُ الْعَبْدُ

نام کتاب : جامع العلوم والحكم - ت الأرنؤوط نویسنده : ابن رجب الحنبلي    جلد : 2  صفحه : 347
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست