responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : جامع العلوم والحكم - ت الأرنؤوط نویسنده : ابن رجب الحنبلي    جلد : 2  صفحه : 195
وَشَوَّقَتْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ، فَذَمَّهَا قَوْمٌ عِنْدَ النَّدَامَةِ، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ، حَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَذَكَّرَتْهُمْ فَذُكِّرُوا؟ فَيَا أَيُّهَا الْمُغْتَرُّ بِالدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا، مَتَى اسْتَلَامَتْ إِلَيْكَ الدُّنْيَا؟ بَلْ مَتَى غَرَّتْكَ؟ أَبِمَضَاجِعِ آبَائِكَ مِنَ الثَّرَى؟ أَمْ بِمَصَارِعِ أُمَّهَاتِكَ مِنَ الْبِلَى؟ كَمْ قَدْ قَلَّبْتَ بِكَفَّيْكَ، وَمَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ تَطْلُبُ لَهُ الشِّفَاءَ، وَتَسْأَلُ لَهُ الْأَطِبَّاءَ، فَلَمْ تَظْفَرْ بِحَاجَتِكَ، وَلَمْ تُسْعَفْ بِطَلِبَتِكَ، قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ الدُّنْيَا بِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ غَدًا، وَلَا يُغْنِي عَنْكَ بُكَاؤُكَ، وَلَا يَنْفَعُكَ أَحِبَّاؤُكَ.
فَبَيَّنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الدُّنْيَا لَا تُذَمُّ مُطْلَقًا، وَأَنَّهَا تُحْمَدُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، وَأَنَّ فِيهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ، وَهِيَ دَارُ التِّجَارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، اكْتَسَبُوا مِنْهَا الرَّحْمَةَ، وَرَبِحُوا بِهَا الْجَنَّةَ، فَهِيَ نِعْمَ الدَّارُ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا تَغُرُّ وَتَخْدَعُ، فَإِنَّهَا تُنَادِي بِمَوَاعِظِهَا، وَتَنْصَحَ بِعِبَرِهَا، وَتُبْدِي عُيُوبَهَا بِمَا تُرِي أَهْلَهَا مِنْ مُصَارِعِ الْهَلْكَى، وَتَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ مِنَ الصِّحَّةِ إِلَى السَّقَمِ، وَمِنَ الشَّبِيبَةِ إِلَى الْهَرَمِ، وَمِنَ الْغِنَى إِلَى الْفَقْرِ، وَمِنَ الْعِزِّ إِلَى الذُّلِّ، وَلَكِنَّ مُحِبَّهَا قَدْ أَصَمَّهُ وَأَعْمَاهُ حُبُّهَا، فَهُوَ لَا يَسْمَعُ نِدَاءَهَا، كَمَا قِيلَ:
قَدْ نَادَتِ الدُّنْيَا عَلَى نَفْسِهَا ... لَوْ كَانَ فِي الْعَالَمِ مَنْ يَسْمَعُ
كَمْ وَاثِقٍ بِالْعُمْرِ أَفْنَيْتُهُ ... وَجَامِعٍ بَدَّدْتُ مَا يَجْمَعُ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: لَوْ يَسْمَعُ الْخَلَائِقَ صَوْتَ النِّيَاحَةِ عَلَى الدُّنْيَا فِي الْغَيْبِ مِنْ أَلْسِنَةِ الْفَنَاءِ، لَتَسَاقَطَتِ الْقُلُوبُ مِنْهُمْ حُزْنًا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا أَمْثَالٌ تَضْرِبُهَا الْأَيَّامُ لِلْأَنَامِ، وَعِلْمُ الزَّمَانِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تُرْجُمَانِ، وَبِحُبِّ الدُّنْيَا صُمَّتْ أَسْمَاعُ الْقُلُوبِ عَنِ الْمَوَاعِظِ، وَمَا أَحَثَّ السَّائِقَ لَوْ شَعَرَ الْخَلَائِقُ.

وَأَهْلُ الزُّهْدِ فِي فُضُولِ الدُّنْيَا أَقْسَامٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ، فَيُمْسِكُهُ

نام کتاب : جامع العلوم والحكم - ت الأرنؤوط نویسنده : ابن رجب الحنبلي    جلد : 2  صفحه : 195
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست