واجب، وعندنا التثليث مستحب والإنقاء واجب كما في الطحاوي والبحر، وأما ما ذكره صاحب الكنز من أنه ليس فيه عدد مسنون إنما يتناول فيه بنفي السنة المؤكدة، كما في البحر: أن تثليث الأحجار مستحب عندنا، والطحاوي أعلم بمذهب أبي حنيفة، وهو تلميذ الشافعي بواسطة واحدة، وتلميذ مالك بواسطتين، وتلميذ أبي حنيفة بثلاثة وسائط، وذكر في باب الحج إجازة عن أحمد بواسطة، والطحاوي إمام مجتهد ومجدد كما قال ابن أثير الجزري: إنه مجدد، أقول: إنه مجدد من حيث شرح الحديث وهو بيان محامل الحديث والأسئلة والأجوبة وغيرها، والمتقدمون كانوا يروون الحديث سنداً ومتناً لا بحثاً، وقال النووي في شرح المهذب: إنه إذا اضطر إلى الاستنجاء باليمين فله أن يأخذ الحجر باليسار أو بين العقبين ويمر عليه العضو المخصوص باليمين، فعلم أن في عهد السلف كان الإمرار في البول أيضاً ثلاثاً كما في الغائط، لا مثل هذا العصر، ولنا في استحباب التثليث ما أخرجه أبو داود في سننه: «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» ، وفي رواية أخرى: «من يذهب الخلاء ليستجمر بثلاثة أحجار فإنها مجزئة» ، فإن الكفاية تدل على عدم الوجوب إن لم نقل: إن إطلاق الإجزاء مختص بالوجوب، وأطلق هاهنا بالنسبة إلى أصل وجوب الإزالة، ونقح أبو حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله أن الحجارة كل عين قالع للنجاسة غير محترم ولا مال، وقال أبو داود الظاهري: إنه منحصر في الحجارة بعينها.
واختلفوا في أبوال مأكول اللحم وأزباله، قال أبو حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله: إنها نجسة، وقال مالك ومحمد: إنها طاهرة، وجوز أبو يوسف التداوي بها، واستدل أبو حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله بحديث (لا برجيع أو عظم) حديث الباب، لأن النهي عن الاستنجاء برجيع لكونه نجساً، والنجس لا يزيل النجاسة، وأيضاً نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أداء الصلاة في المزبلة، وصححه ابن السكن وأيضاً سيأتي أنه أخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال «إنها ركس» ، فإن قيل: في بعض الروايات تصريح بأنه طعام دواب إخوانكم فلم يبق حجة، قلت: إن الركس بمعنى الرجيع فيقال في الاستدلال إن: الرجيع، مشتق، والحمل على المشتق يدل على علية المبدأ، ولفظ ركس علة بخلاف الرجس، فإنه حكم من ولاية شرعية لا علة حسية.