لحديث النسائي أخرجه أحمد في مسنده «وكان يوتر بثلاث لا يفصل بينهن» وفي سنده رجل متكلم فيه وهو يزيد بن يعفر، وأخرجه مجد الدين بن تيمية جد تقي الدين ابن تيمية المشهور في المنتقى، وقال بعد ذكر الألفاظ وضعّف أحمد إسناده، وكنت متحيراً في هذا فإن في زاد المعاد: أن رجلاً سأل أحمد عن الوتر؟ فقال: ثلاث ركعات بتسليمتين، فقال له: وأما بتسليمة واحدة، قال أحمد: لا بأس، فلو كان أحمد تكلم في الحديث كيف قال: لا بأس؟ ثم بدا لي أن أحمد بن حنبل لم يضعف إلا الإسناد الذي أخرجه، وقد قلت: إن فيه يزيد بن يعفر فإذن لا تفرد ولا شذوذ، وفي حديث النسائي «ولا يجري» تأويل محمد بن نصر أصلاً فدل الحديث دلالة صريحة ونص على نفي السلام على الركعة الثانية من الوتر، فإذن ترك تبادر الأحاديث الدالة على السلام على الثانية مثل حديث «فأوتر بواحدة» فإن تبادره للشافعية ولو لم نجد نصاً وأصرح ما في الباب على نفي السلام، لمشينا على تبادره ولكنا وجدنا النص وأصرح على نفي السلام، وحديث النسائي يدل على قطع سلسلة التسع ونفي السلام، وكذلك نقطع سلسلة السبع المذكور في مسلم وغيره أيضاً، ولنا حديث آخر عن أبي بن كعب يدل على نفي السلام أخرجه النسائي في الصغرى ص (380) لا يسلم إلا في آخرهن، ويقول بعد التسليم: سبحان الملك القدوس ثلاثاً» فيكون الحديث صحيحاً عند النسائي وصححه زين الدين العراقي فلنا مرفوعان صحيحان في نفي السلام، وأما حديث عائشة حديث الصحيحين: «فلا تسأل عن حسنهن وطولهن» إلخ فتبادره أيضاً نفي السلام على الثانية، فإن النسائي بوب على كيف الوتر بثلاث؟ وذكر تحته حديث عائشة: «لا تسأل عن حسنهن وطولهن» وحديثها «وكان لا يسلم في ركعتي الوتر» فإذن نحمل حديث عائشة المروي في أبي داود كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث» على نفي
السلام على الثانية وهو المتبادر، فتم الجواب عما في مسلم وعن رواية «كان يوتر بسبع لا يجلس إلا في آخرهن» .
والآن أتعرض إلى روايات ابن عباس فرواياته في بعضها: أنه عليه الصلاة والسلام أوتر بخمس، وفي سنن أبي داود في رواية ابن عباس: ولا يسلم إلا في آخرهن، فيكون حديثه مثل حديث الباب: أي يوتر بخمس لا يسلم إلا في آخرهن، فأشكل علينا الأمر فأقول: إن في مسلم ص (261) عن ابن عباس تصريح أن صلاة الليل ست ركعات وأوتر بثلاث، فلا بد أن نقطع الركعتين من الخمس في رواية ابن عباس ومر الحافظ على رواية مسلم ص (361) وأشار إلى تفرد حبيب بن أبي ثابت أقول والعجب من الحافظ أنه لم يلتفت إلى متابعاته، وأذكر متابعاته: منها ما في الطحاوي ص (120) ، ج (1) ، ثم أوتر بثلاث عن ابن عباس وسنده قوي غاية القوة إلا أن في سنده سهو الكاتب، فإنه ذكر عن قيس بن سليمان والحال أنه عن مخرمة بن سليمان، ومتابع آخر في الطحاوي ص (179) عن أبي إسحاق عن المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس: «أنه أوتر بثلاث» ومتابع آخر في النسائي ص (280) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بثلاث يقرء في الأولى. . إلخ فلا شذوذ ولا تفرد فثبت قطع الثلاث من الخمس.