والثاني: أن معنى مثنى اثنان اثنان فيكون المجموعة أربع ركعات ولم يقل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعاً أربعاً كيلا يرفع القعدة على ركعتين ركعتين، أقول: يخالفه قول الزمخشري أن المراد من مثنى اثنان فقط لا اثنان اثنان، وهذا إذا كان اللفظ مكرراً، وأيضاً يخالف قول الشيخ ما ورد عن ابن عمر راوي الحديث تفسير المرفوع أنه سئل ما مراد من مثنى مثنى؟ قال: أن تسلم على كل ركعتين أخرجه مسلم في صحيحه (257) ، ثم فيما فسر ابن عمر بحث لأنه ثبت عنه موقوفاً: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، أخرجه في معاني الآثار، وعمله بالنهار أربع ركعات بتسليمة واحدة، كما في معاني الآثار ص (198) : أن ابن عمر صلى قبل الجمعة أربعاً لا يفصل بينهن بسلام، وسنده صحيح فإن فهداً شيخ الطحاوي ثقة، وعلي بن معبد تلميذ محمد بن حسن من رواة الصحيحين ورواة الجامع الصغير، وسائر الرواة ثقات، وإن قيل: إنه يدل على أربع قبل الجمعة لا تظوع النهار مطلقاً قلت: إن في تلك الصفحة عن ابن عمر: أنه كان يصلي بالليل ركعتين وبالنهار أربعاً، وسنده قوي فإن رواته رواة الصحيحين إلا فهداً، وروي عن ابن عمر مرفوعاً أيضاً: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» إلا أنه أعله الطحاوي والدارقطني وابن حبان وجمهور المحدثين، وقالوا: إن لفظ النهار وهم الراوي، وخالفهم البخاري، ويقوي لفظ النهار في خارج الصحيح، ثم أقول لدفع ذلك البحث: إن مراد ما قال ابن عمر هو القعدة على الركعتين لا السلام على ركعتين، وأما قوله لرجل سأل عن تفسير مثنى مثنى في مسلم ص (257) فالمراد به أن التسليم أولى وأفضل، والله أعلم وعلمه أتم فأذن دار المثنوية على القعدة عندنا وعلى التسليم عند الشافعية، وعلى هذا يقول الشافعية في الوتر: إن المثنوية لما كانت بالتسليم تكون الشفعة في الوتر أيضاً بالتسليم لا بالقعدة، لحديث عام: «صلاة الليل مثنى مثنى»
فيكون الوتر ثلاث ركعات بتسليمتين، فإذن يكون مضي الواحدة في «أوتر بواحدة» المنفردة (أكيلا) عند الشافعية، وأما عند الأحناف فمعناه الواحدة (إيك) .
قوله: (أوتر بواحدة) هذا اللفظ لا يدل على الوتر بركعة واحدة فإن لفظ الوتر محمول إلى الخارج وليس المراد الوتر لغة، فإن معناه اجعل صلاتك وتراً معهوداً في الشريعة بركعة أي بضم ركعة لمقدمة.
إن الأسماء الشرعية كانت في اللغة متعدية مثل القراءة والوتر والمسح وغيرها، فإذا نقلت إلى الشريعة صارت لوازم فإن المراد يكون منها المدلولات الشرعية، فإذا أردنا تعديتها نجعلها متعدية بواسطة الباء فالباء في: «أوتر بواحدة» «وامسحوا برؤوسكم» باء التعدية، فإن المسح كان متعدياً في اللغة، فإذا نقلناه إلى المعنى الشرعي صار لازماً أي إمرار اليد المبتلة فعديناه بالباء، ولا يتوهم أن في المعنى الشرعي أيضاً تعدياً، فإنه شبيه ما قيل: أن لا يعلمون، بمعنى: ليس لهم علم لازم، وكذلك فرق بين السميع صيغة الصفة المشبهة اللازم، والسامع صيغة اسم الفاعل المتعدي، ومر مني بعض كلام في هذه المقدمة في القراءة خلف الإمام.
قوله: (واجعل آخر صلاتك وتراً) هذا محمول على الاستحباب عند الجمهور، وفي متوننا من كان يثق بالانتباه يؤخر الوتر إلى آخر الليل.