كما أن المسجد يكون ذا شرف في الدنيا، وليست المماثلة في الطول والعرض أو غيره كما قيل.
واعلم أن المسجد النبوي بني في عهده عليه الصلاة والسلام مرتين مرة ستين ذراعاً، وأخرى مائة في مائة ثم بناه أبو بكر الصديق في عهده على هيأته الأولى وبلا زيادة في عرصة الأرض، ثم بناه عمر في عهده، وزاد في بقعة المسجد، واختار الهيأة الأولى الساذجة، ثم بناه عثمان وشيده بالأحجار والخشب، ولم تكن الأحجار منقوشة بالنقش المتعارف، فاعترض السلف على عثمان لتشييده المسجد وعدم اختياره الساذجية السابقة مع أنه بناه من مال نفسه، فلما امتد اعتراضهم قام عثمان خطيباً وتمسك بحديث: «من بنى مسجداً لِلّه جل مجده بنى الله له مثله في الجنة» وأما بناء المسجد النبوي الآن فبناه السلطان عبد المجيد، وقد ميز في الحدود التي كانت في عهده عليه الصلاة والسلام وعهد عمر وعهد عثمان، وما اطلع بعضهم على تكرار بناء المسجد النبوي في عهده عليه الصلاة والسلام، ونبه عليه الشيخ السيد السمهودي في الوفا بدار المصطفى.
مسألة: إحكام المسجد جائز بلا ريب، وأما نقشه المتعارف في عصرنا ففي بعض كتبنا لا بأس به من غير مال بيت المال، وقيل: يكره من غير بيت المال، وأما من مال بيت المال فغير جائز، وأقول: الآن يجوز القولان الأولان في النقش من مال المسجد أيضاً، فإن غرض الواقفين في هذا العصر يكون النقش ولا ينهون عنه، والله أعلم، وفي ابن ماجة رواية: «ولو كمفحص قطاة» إلخ، وترددوا في شرحه فإنه لا يمكن فيه الصلاة فقالوا ما قالوا، منها ما قيل: إنه في حق من اشترك في المتفرقات لبناء المسجد فإن من أدخل فيها شيئاً قليلاً يحرز الثواب أيضاً، وإن تهيأ من متفرقة قدر مفحص قطاة من أجزاء المسجد، أقول: إن في الحديث مبالغة ولا تكون المبالغة كذباً أصلاً فلا إشكال، ثم قيل: إن وجه اختصاص القطاة بالذكر أن مفحصه يكون على الأرض كالمسجد على الأرض سطحها.
قوله: (محمود بن الربيع) اختلف المحدثون في سن تميز الراوي للرواية، فقيل: خمسة سنين لحصول التميز لمحمود على خمسة سنين.