واعلم أن الصفات الثابتة في الروايات خمسة: أحدها: المسح إلى الرسغين، وثانيها: المسح إلى نصف الساعد، وثالثها: إلى المرفق، والرابع: إلى نصف العضد، وخامسها: المسح إلى الآباط والمناكب، وقال الحافظ في الفتح: إن أحاديث المسح إلى النصفين ضعاف، وحديث المسح إلى الرسغين أصح ما في الباب، وحديث المسح إلى المرفقين حسن، وحديث المسح إلى الإبط قوي، أقول: إن لعمار واقعتين أحدهما واقعة نزول آية التيمم في قصة غزوة بني المصطلق حين فقدت قلادة عائشة، فإذا نزل {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة: 6] عمل كل أحد من الصحابة ما بدا له من المسح إلى الرسغين والمرفقين والإبطين ونصف الساعد ونصف العضد، فبلغ الأمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنزلت صفة التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] وإلى هذا أشار الطحاوي ص (66) ، وأتى برواية فيها ابن لهيعة، وقال الذهبي: إن رواية العبادلة الثلاثة عن ابن لهيعة معتدلة فإنهم أخذوا قبل حرق كتبه، وأيضاً هذه الرواية لابن لهيعة عن أبي الأسود وكان ابن لهيعة يروي من كتاب عنده، فروايته من الكتاب معتبرة، ثم واقعة ثانية لعمار بن ياسر حين كان عمر وعمار راعيين في السفر فأجنبا فتمعر عمار وصلى، وترك عمر الصلاة، فبلغ الأمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لعمار: «إنما يكفيك هكذا» ففي هذا إشارة إلى المعهود المبين صفة قبل، لا حكم المسح إلى الرسغين، ولم ينبه على تعدد الواقعتين إلا الطحاوي، وإليه يشير كلام الشافعي أن رواية عمار المسح إلى المرفقين قبل رواية المسح إلى الرسغين، فإذا ثبت تعدد الواقعتين فنقول: إن واقعة عمر وعمار بعد بيان صفة التيمم، وإشارة إلى المعهود من الصفة، فلا يقال بترجيح رواية الرسغين فإنها أيضاً إشارة إلى المرفقين، وإني تتبعت الكتب فلم أجد تاريخ
واقعة عمر وعمار، ولم أجد تعيين سفرهما، ولكنها بعد واقعة نزول صفة التيمم كما تدل القرائن، استدل لنا على المسح إلى المرفقين بما أخرجه الزيلعي عن مسند البزار والحافظ أيضاً في الدراية تلخيص نصب الراية وحسَّن إسناده.
(ف) لخص الحافظ نصب الراية للزيلعي وسماه الدراية، وكتب الناسخ أن اسمه أيضاً نصب الراية وهذا خطأ.
ومستدلنا الثاني: ما في سنن الدارقطني بسند حسن، ولينَّة الحافظ فإن في سنده أبا صالح،