كالبر بالوالدين، فالصبر على مشقتهما وإن كان أدنى من الصبر في مواطن الكفاح ولقاء الأعداء، لكن المداومة على ذلك طوال السنين مما أكبر المشقة فيهما، ورفع درجتهما عن الجهاد قرينهما.
وأعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أجاب في مواطن أخرى عن سؤال «أفضل الأعمال» بغير هذه الإجابة، وليس من تعارض بين ذلك وتضارب، لأنه كان يجيب كل سائل بما يناسب حاله، أو يلتئم مع رغبته وميله. أو لاختلاف الأوقات والأحوال؛ ففي أوقات الحرب والنزال، وهجوم الأعداء: الجهاد أحب، وفي أوقات المجاعات:
الصدقة أفضل: وفي أوقات الهدوء والطمأنينة: الصلاة أهم، وهكذا لكل حال ما يناسبها، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس لكل حال لبوسها، ويجيب بما يسايرها، وهو البليغ الحكيم.
ولعن تاركي الصلاة، الذين يحسبون أنفسهم مؤمنين؛ ولم يركعوا لله ركعة أو يسجدوا له سجدة؛ ولم يغشوا [1] بيوت الله؛ وإن غشوا بيوت الناس- لعلهم يعتبرون بهذا الحديث؛ فيقلعوا عن جرمهم؛ ويتوبوا إلى ربهم؛ ولعل الكسالى الذين يجمعون الصلوات؛ أو يؤدونها آخر الأوقات يكون لهم من ذلك موعظة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
36- باب: طاعة الأئمة والرؤساء في المعروف
عن عبد الله بن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» . [رواه البخاري [2] ] .
الشرح:
قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي [1] يغشوا: يدخلوا. [2] رواه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (7144) . ورواه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4740) .