الإحسان إليهما بالقضاء له بتوحيده في العبادة إذ يقول: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [1] ، وأمرك بالقول الكريم، والصنع الجميل. والدعاء لهما بالرحمة. فلا تضع الإساءة موضع الإحسان. ولا الكفران مكان الشكران؛ واعلم أن الله لا ينظر يوم القيامة إلى ثلاثة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر؛ والمنان- روى ذلك النسائي والحاكم وصححه ابن حبان [2] .
وقد قرر العلماء وجوب طاعتهما في المباحات فعلا وتركا واستحبابها في المندوبت وفروض الكفاية كذلك؛ ولقد استأذن امرؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فأبى الإذن له إلا بعد استرضاء والديه؛ فإياك أن تهمل في حق من ربياك صغيرا.
وثالثهما- قول الزور والباطل: وقد أكبر الرسول صلى الله عليه وسلم خطره؛ وأعظم جرمه؛ إذ جلس له بعد اتكائه؛ اهتماما بشأنه، وصدّر قوله بأداة التنبيه؛ وكرّر كلمته حتى شق على نفسه؛ وبدأ الغضب في وجهه؛ وتمنى أصحابه لو سكت؛ شفقة عليه ورحمة به؛ كما كان بهم رؤوفا رحيما، وقول الزور قرنه القرآن بالشرك في قوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [3] ، وجاء في ضمن أوصاف عباده المخبتين [4] ، قوله: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [5] .
وقول الزور يشمل شهادة الباطل؛ والحكم الجائر؛ ورمي الأبرياء بما هم منه براء؛ والقول على الله بغير علم؛ فكل ذلك داخل في قول الزور؛ هذا وإن شاهد الزور يسيء إلى نفسه؛ إذ يبيع آخرته بدنيا غيره. ويسيء إلى من شهد له بإعانته على ظلمه؛ وإلى من شهد عليه بإضاعة حقه؛ وإلى القاضي بإضلاله عن المحجّة [6] ، وإلى الأمة بزلزلة الحقوق فيها؛ وعدم الإطمئنان عليها. ومن الخزي الفاضح أن يكثر بيننا من يشهدون زور لمجرد صداقة أو رجاء. أو نظير مبلغ يسير يتقاضونه. أولئك الذين [1] سورة الإسراء، الآية: 23. [2] رواه النسائي في كتاب الزكاة باب: المنان بما أعطى (2561) . ورواه الحاكم (4/ 146) . [3] سورة الحج، الآية: 30. [4] المخبتين: الطائعين الخاشعين. [5] سورة الفرقان، الآية: 72. [6] المحجّة: الطريق المستقيم.