فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخدم والمماليك إخوان في الدّين أو في الإنسانية.
وكان الظاهر أن يقول: خولكم إخوانكم. ولكن قدّم ما أصله التأخير اهتماما بالأخوة. وأنه لا ينبغي أن تنسيها الخدمة. وهل الخدمة إلا إعانة. فكيف تجعلها سبب تحقير وإهانة؟ إن الأخوة وحدها داعية التبجيل والإكرام. فكيف إذا انضمت إليها الخدمة. والمعونة والمساعدة؟ كنت تحسب أنك تطعم الخادم وتسقيه، وتكسوه وتؤويه أو تنقده أجرا على خدمته، فلا تنسى أنه يقوم لك بأمور، أنت مضطر إليها في حياتك، وكثيرا ما تعجز عن معالجتها، والقيام بها، فهو يكمل نقصك، ويوفر عليك وقتك، ويحقق غرضك، وتصور الوقت الذي تفقد فيه الخادم كيف تعتل أمورك، ويقف دولابك، ويختل النظام وتتعسر الحاجات؟ فالذي يكفيك شؤونك، ويحقق مصالحك جدير بمعونتك، خليق برعايتك، فهؤلاء الخدم الإخوان جعلهم الله تحت يدك، ومكنك منهم بالملك أو الأجر، وصاروا مسخرين لك طواعية وأخيارا، فالواجب عليك العناية بهم. والإحسان إليهم وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى ... أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] ، فتطعمهم من جنس ما تطعم فلا تعد لهم طعاما دون طعامك، ولا عيشا دون عيشك، وكيف تستمرىء [2] طعاما يطهوه الخادم ويعده، وعينه إليه ناظرة، ويده فيه عاملة فتأكله كله، ولا تبقي له بعضه، أما تخشى سم عينيه؟ فإن كان طبيخك لحما وأرزا، وخضارة وحلوى فأبق له من كل، ولا تحرمه من بعض، وخل عنك الكبر والتعاظم، فلولا هذا ما طعمت الشهي، ولا شربت الهني، وكذلك تلبسهم مما تلبس، وإن لم يكن مثله من كل الوجوه، فإن المدار على المواساة.
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي علاجه» [3] - رواه البخاري.
فالغرض أن تكون نفوسهم قانعة؛ وبحالهم راضية؛ وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم أن [1] رواه البخاري في كتاب: العتق، باب: إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه (2557) . [2] أي تستطيب وتستحسن. [3] ولي علاجه: أي غني بتحضيره وطبخه.