صلاة العشاء التي هي من أثقل الصلوات على ضعفاء النفوس لظلام الطريق. واقتراب موعد النوم. والميل فيه إلى الراحة من عناء الأعمال طوال النهار. وقد مثل الشيء الحقير بظلف الشاة- نعلها الطبيعي- أو بعظم به بقايا لحم أو بلحيمة. وبسهمين دقيقين حسنين، يتعلم بهما الصبيان الرماية. وقيمتها ضئيلة. يعني بذلك الرسول أن هذا المتخلف لو وجد في الحضور إلى المساجد منفعة دنيوية يسيرة لهرول [1] إليها، فهو ضعيف الإيمان. غافل عن مزايا الجماعة. مؤثر لعرض هذه الحياة على ما عند الله.
والحديث كما ترى فيه وعيد شديد لتاركي صلاة الجماعة؛ وأنه همّ بقتلهم، وتحريق بيوتهم ولعله منعه من التنفيذ أن غرضه مجرد التهديد، أو نساء وصبيان يسكنون بيوتهم لا ذنب لهم ولا جريرة.
ومن أجل هذا الوعيد ذهب عطاء والأوزاعي، وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية، كأبي ثور، وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان إلى أن صلاة الجماعة فرض عين.
بل بالغ داود بن علي وأتباعه من الظاهرية، فاشترطوا الجماعة لصحة الصلاة بناء على أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها، وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية إذا قام بها جماعة سقطت عن الباقين، وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وكثير من الحنفية والمالكية، والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة.
وأجابوا عن حديثنا بجملة أجوبة لا تسلم من قدح [2] ، وأمثلها أن المراد بالصلاة الجمعة. واستدلوا لذلك بالتصريح بها في رواية لمسلم، ولكن جاء التصريح بالعشاء في روايات كثيرة صحيحة، ومن الأجوبة الأحاديث المفصلة لصلاة الجماعة على صلاة الفرد كحديث «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» ، وفي رواية: «بخمس وعشرين» - رواه البخاري [3] عن أبي هريرة. فقالوا: إن الأفضلية [1] هرول: أسرع. [2] القدح: الطعن. [3] رواه البخاري في كتاب: الأذان، باب: فضل صلاة الجماعة (645) عن ابن عمر رضي الله عنه. منها ما روى مسلم في كتاب: المساجد، باب: ما روي في التخلف عن الجماعة (1480) . -