وبذلك عرفت أن أولئك الرجال أو النساء الذين يتّجرون في الفجل أو الكراث أو البصل أو في الخضروات أو البقول أو غيرها من الأشياء الرخيصة يحضرونها من المزارع وعلى ظهورهم أو رؤوسهم خير من أولئك الذين يجوبون الشوارع ليلا ونهارا يتكففون [1] الناس؛ وأكثرهم قادر على الكسب؛ صالح للعمل، بل أولئك المتجرون هم الأخيار، وأولئك الشحاذون هم الأشرار، فلا تعنهم على الشر ورغبهم في الخير، فالحديث يحضنا على اكتساب الرزق ولو من المهن الصغيرة، ويبغضنا في السؤال، ويحفظ علينا العزة والكرامة، ويمنعنا الذلة والمهانة.
14- باب: السماحة في المعاملة
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» ، وفي رواية «وإذا قضى» .
[رواه البخاري والترمذي وابن ماجة [2] ] .
السمح: يطلق على السهل، وعلى الجواد، والأول هو المناسب هنا، والاقتضاء: طلب قضاء الحق.
يدعو النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة وإسباغ النعمة للرجل السمح السهل، ودعاؤه عند الله بمكانة عظيمة لأنه صادر من النفس الطاهرة المخلصة، من اللسان الرطب بذكر الله، فتفتح له أبواب الإجابة إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [3] .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السماحة في أربعة أشياء: في البيع، والشراء، والاقتضاء، والقضاء.
فالسماحة في البيع:
ألا يكون شحيحا بسلعته، مستقصيا في ثمنها، مغاليا [1] يتكففون: يمدون أيديهم بالسؤال. [2] رواه البخاري في كتاب: البيوع، باب: السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن ... (2076) . ورواه الترمذي في كتاب: البيوع، باب: ما جاء في استقراض البعير أو السيء من الحيوان أو السن (الحديث 1320) . ورواه ابن ماجه في كتاب: التجارات، باب: السماحة في البيع (2203) . [3] سورة فاطر، الآية: 10.