أعمالهم، وليفيد جسمه صحة وقوة، فليعتبر بهذا أولئك الأغنياء الوارث، وأولئك الأمراء والوزراء، الذين يشمئزون من العمل، ويخالونه حطة وضعة، وما دروا أن كثرة الأيدي المنتجة ثروة عظيمة للأمة، وعزة لها وسيادة، وإشادة بذكرها بين الأمم.
فالحديث يرغبنا في العمل، ويدعونا إلى ما يزيدنا صحة، ويبغض إلينا الاعتماد على الثروة المسوقة، وترك الأعمال المنتجة.
13- باب: تفضيل الحرفة على السؤال
عن الزّبير بن العوّام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يأخذ أحدكم حبله: فيأتي بحزمة حطب؛ فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل النّاس أعطوه أو منعوه» . [رواه البخاري ومسلم [1] ] .
اللغة:
الحطب: ما يوقد به، والكف: المنع.
الشرح:
سؤال الناس مذلة وضعة، والمؤمن عزيز غير ذليل: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [2] فإن أعطي السائل فالمنة عليه ثقيلة، والجميل أسر له واستعباد، وإن منع خزي وخجل وتأفف من المسؤول أو أبغضه، واضطغن عليه [3] وإن كان السائل قادرا على الكسب فهو كافر بنعمة الله إذا لم يشكر له نعمة الجوارح، فإن شكرها بالانتفاع بها فيما خلقت له، وما خلقت إلا للكدح بها في سبيل الرزق فلما كان السؤال بكل ذلك، وهو ما لا يلائم أخلاق المؤمن بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الاكتساب خير منه، بل الاكتساب هو الخير، والسؤال هو الشر ولو كان الاكتساب من أدنى الحرف، فالذي يأخذ حبله ويخرج إلى المراعي والمزارع، أو الأجران والغابات، فيجمع حزمة حطب مما رغب عنه الناس، أو من كلأ مباح؛ ويحملها على ظهره ويبيعها بقرش أو مليمات يأكل به ويشرب فيحفظ بذلك على نفسه كرامتها وعزتها؛ ويقي وجهه ذلة المسألة خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه. [1] رواه البخاري في كتاب: البيوع، باب: كسب الرجل وعمله بيده (2075) . [2] سورة المنافقون، الآية: 8. [3] اضطغن عليه: انطوى على الحقد.