وكلت إليها: روي بتشديد الكاف مكسورة وبتخفيفها مع ضم الواو فيها والمعنى:
أسلمك الله إلى مشاقها وأعبائها. أعنت عليها: هداك الله إلى الصواب وأعانك على متاعبها.
الشرح:
من الناس قوم أغرموا بالمناصب والرياسات، يسلكون إليها كل سبيل، ويلجون [1] كل فج، فلا يهنأ بالهم ولا يقر قرارهم، إلا إذا ظفروا بما يؤملون وما يدرون، أن الولاية ثقيلة المحمل، كثيرة التبعات [2] ، تتطلب جهدا وعناء وتقتضي يقظة وانتباها وتستدعي الوالي أن يسوي بين الأفراد في توزيع العدالة والبر والقسط، وتيسير المطالب والأخذ بالرفق، لا فرق بين كبير وصغير، ولا بين من ينتمي إلى فريق من الناس، ومن ينتمي إلى فريق آخر، وكل ذلك يحتاج إلى مزيد حزم وفطنة.
حتى إذا نال طلبته نسي تكاليف الولاية واتخذ منها وسيلة لإشباع أطماعه ونيل أمانيه وإغداق الخير على أشباعه وأنصاره، وصب جام غضبه وانتقامه على خصومه وأعدائه، ينكل [3] بهم ويسومهم الخسف، ويشاركهم في أقواتهم وربما حال بينهم وبين الانتفاع بأموالهم. ويفتري عليهم الجرائم والآثام. وما تلوثت أيديهم بجريمة، ولا يزال يحكم فيهم حيله ويحوك لهم الشباك، حتى يشفي غلته. فهؤلاء لا يلبثون أن تولي عنهم الدنيا وتزول عنهم المناصب، فينزلون إلى حضيض الذل والمهانة.
وينصرف الناس عنهم. فلا يعودون يسمعون ألفاظ التملق وعبارات الرياء والنفاق وينالهم من الإزدراء والتحقير ما هم أهل له لأنهم نسوا تلك العاقبة المحتومة فلم يعملوا لها أيام ولايتهم ولم يصغوا إلى قول القائل:
واصنع من الفعل الجميل صنائعا ... فإذا عزلت فإنها لا تعزل
فهذا الحديث يشير إلى وجوب التباعد عن طلب الرياسات، ولو كان الطالب قادرا على تحمل أعبائها، لأنها لا تخلو من عناء ومشقات.
ويفيد أن من أسندت إليه ولاية عمل بدون طلب منه، فإنه جدير بعناية الله به، وإعانته عليها؛ ولا شك أن كل وال محتاج إلى معونة الله وإرشاده، فمن سلب الإعانة [1] يلجون: يدخلون. [2] التبعات: ج تباعة: عاقبته وما يترتب عليه من أثر. [3] ينكل: نكل بفلان: أصابه بنازلة.