وإن مرض تقرحت جفونها التياعا [1] ، فليس من حسن الصنيع أن يقابل ذلك بالجحود والكفران أو يجعله في مطارح النسيان.
وقد خص الأم في هذا الحديث لأن العقوق إليها أسرع لضغفها ولينبه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو.
وثانيها: دفن البنات وهن أحياء:
وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك مخافة الفقر أو العار، لأن البنت ضعيفة المنة، عاجزة عن مزاحمة الرجال في كسب مادة الحياة فتكون عبئا على أبيها وحملا ثقيلا، فكان بعضهم يقتل البنات لتخف عنه ثقل معيشتهن، وبعض آخر يئدهن مخافة أن يجلبن عليه العار بزلة تجعل أهلها سبة الدهر.
وثالثها: منع وهات:
والمراد بهما البخل بالمال عن الواجبات الشرعية وما تقتضيه المروءة من زكاة وبر وإعانة محتاج وغوث مستغيث، ونحو ذلك والطمع فيما ليس أهلا له، من ابتغاء أجر بدون عمل، أو زيادة على استحقاق لما في ذلك من إضاعة المروءة وإذلال النفس وأكل المال بالباطل.
ورابعها: قيل وقال:
والمراد تتبع أخبار الناس وأحوالهم للتحدث بها وإشاعتها وربما كان في شيء منها ما يغضب المقول فيه، من أمور كان يود إخفاءها، وأسرار لا يحب إذاعتها، فتنشأ العداوة وتنمو الضغينة ويعم الفساد والأذى.
أضف إلى ذلك ما يوصم [2] به من كانت هذه صفته من المذلة والصغار، وما يلقاه من الناس من الإهانة والاحتقار.
وخامسها: كثرة السؤال:
والمراد بذلك إما سؤال المال والصدقة، وفي ذلك من إراقة ماء الوجه وإذلال النفس ما يربأ أن يدنس به نفسه، وإما السؤال عن المشكلات والمعضلات وأخبار الناس واختراع الأحاجي والألغاز للتعجيز والإرهاق، لما يترتب على ذلك من إضاعة الوقت في غير المفيد. وربما كان في الجواب عن السؤال ما يؤلم السائل ويسيء إليه أو إلى غيره على حدّ قوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ [1] التياعا: لاعه الهم والحزن والشوق: أحرقه. [2] يوصم: وصمه: عابه.