وأما القضية الثانية: [الإيمان بالتحاب.]
فلأن الله تعالى وصف المؤمنين بأنهم إخوة في قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [1] ، والمحبة شأن الإخوة. ثم المعروف أن الشخص إذا أمكنت العقيدة من نفسه أحب من على شاكلته [2] ، فالمؤمن الذي جرت أعماله وأخلاقه على سنن الشريعة يحب من ماثله في ذلك، وها نحن أولاء نرى التالف والتحاب بين من ينتمون لحزب واحد أو يتفقون في المبدأ.
وأما القضية الثالثة: [إفشاء السلام سبيل التحاب]
فلأن إلقاء السلام يشعر بميل ملقيه إلى من سلم عليه فإذا تبادلا ذلك فقد تبادلا الميل، وإذا تكرر السلام نما الميل فكان محبة وإذا عمّمه بين الناس اكتسب محبتهم ولذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على بذله لمن عرفت ومن لم تعرف، والأمر بالسلام في الحديث يدل على وجوبه ولكن نقل ابن عبد البر وغيره أن الإبتداء بالسلام سنة وأن رده فرض وأقله أن يقول: السلام عليكم، وأكمل منه أن يزيد ورحمة الله وبركاته، فإن كان المسلّم عليه واحدا وجب الرد عليه عينا، وإن كانوا جماعة فالرد فرض كفاية في حقهم.
وفي الحديث «يجزىء من الجماعة أن يرد أحدهم» رواه أحمد والبيهقي، وكما يكون السلام عند اللقاء يكون عند الفراق لحديث «إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم وليست الأولى بأحق من الآخرة» .
وقد قالوا: إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فمعنى السلام عليكم: أنتم في حفظ الله كما يقال: الله معك والله يصحبك، وقيل السلام بمعنى السلام أي سلامة الله ملازمة ذلك.
واعلم أن السلام شعار المسلمين فلا ينبغي لمسلم يعرف قيمة المحافظة على شعائر دينه ومقومات أمته أن يستبدل به كلمة أخرى. مثل «نهارك سعيد» ، «ليلتك سعيدة» ، «بنجور» ، «بنسوار» ، إلخ ... [1] سورة الحجرات، الآية: 10. [2] شاكلته: الشّاكلة: السجية والطبع.